ألم يوجلك ذا الخبر اليقين (رثاء النبي سليمان)

628

بعد وفاة سليمان عليه السلام قام القلمس بن عمرو خطيباً في أهل نجران ومؤمنوها فقال:

أيها الناس إن الدهر أنذركم والموت أدبكم فهل تجدون من ذلك مجيراً وعنه محيداً إن الله لم يشرك أحداً في ملكه خلقهم للفناء واستأثر بعدهم بالبقاء. جعل الموت منهلاً ليس عنه مزحل، إن سليمان نبي الله مات أعطاه الله ما لم يعط أحداً فلم يك بذلك يدفع المقدور ولا يصرف المحذور، ولما قرب الأجل اضمحل الأمل ونزل الموت عليه بالفوت، فهو لكم عارية وأنتم له تراث فأضحى لكم نوراً وكنتم له مناراً، فمن استمسك فقد أصاب ومن الحد فقد أخطأ. دعا فأصاب ودعي فأجاب، غاب وشهدتم فأدوا ما سمعتم وعلمتم، أيها الناس هيهات والله هيهات أصبحتم بين طبقتين من الأموات تسابقون الساعات وتنتظرون الميقات خلقتم قبل الوعد والوعيد وتقدمتم النبأ وجاءكم الخطاب وغاب عنكم الثواب وإلى الله المآب – خلقتم قبل كل شيء ولكم نفع كل شيء وعليكم ضر كل شيء فعليكم الشكر ولكم النصر، أيها الناس سمعتم وأبصرتم والسمع والبصر للفؤاد، فمن سمع وأبصر نجا ومن لها هفا وعهد الدهر لكم هباء وثأركم جبار ولتعودن أخباراً، ثم من بعد من أين إلى أين، ثم أنشأ يرثي النبي سليمان عليه السلام وقال:

ألم يوجلك ذا الخبر اليقين

بذاك وإن نأى وقت وحين

ألم تر كلما ولى وأودى

قرانا لا يعود ولا يكون

وما دنياك إلا حلم يوم

تنبه كي تدان بما تدين

فإن الزاد محفوظ إذا ما

تحمل عن مغانيه القطين

ألم تسمع بذي القرنين لما

تمكن عنده الملك المكين

وكان الصعب في الدنيا بضغو

وجد الدهر فيه له قرين

تقضي طول مدته فأخنى

عليه بصرفه دهر خؤون

تعدت فيه أسباب الليالي

وأخرج من أمانته الأمين

فجاد بروحه لما دعته

دواعي الحين وهو بها ضنين

لقد جارى الخلود إلى مداه

وبان فأنجم الأفلاك جون

ألم تر صاحب الملكين أمـسى

تحزمه عن الدنيا المنون

وكان عليه للأيام دين

وقد قضيت عن المرء الديون 

رفاهة ملكه يوماً سواء

عليه الغث فيه والسمين

على الكرسي معتمداً عليه

يرف الخد منه والجبين

فخانته العصا من بعد ما قد

ألم به حــين وحــين

فخانته فخر لها وخرت

وصرح عندها الخبر اليقين

يسير بشر جع لا وصل فيه

تحار الشمس فيه والعيون

وتضحى الجن عاكفة عليه

كما عكفت على الأسد العرين

فسخرت الجبال له جميعاً

عليها الطير عاكفة عزين

فدان له الخلائق ثم قـسرا

ودان الجن فيما قد تدين

بنوا صرحاً له دون الثريا

وأجرى تحته الماء المعين

تراه أملساً لا عيب فيه

يحار بصرحه الذهن الذهين

وقد ملك الملوك وكل شيء

تدين له السهولة والحزون

فأفنى ملكه كر الليلي

وخون الدهر فيما قد يخون

وكل أخي مكاثره وعز

على ريب الحوادث مستكين

كذاك الدهر يفنى كل شيء

فيضعف بعد قوته المتين

أفعى نجران هو القلمس بن عمرو بن قطن بن همدان، الملقب بـ أفعى نجران، وهو احد دعاة نبي الله سليمان بن داؤد في مدينة نجران،