قبر وبئر القدّيس ابن ثامر… بقلم/ مشعل بن عبد الله

استهلال لن أكتب قصة أصحاب الأخدود بعاطفة دينية كما كُتِبت في الوثائق المسيحية والمرويات الإسلامية. فلا يهمني إن كانت عقيدة شهداء الأخدود هي (المنوفوزية) المُثلّثة، أو كانت عقيدة مسيحية موحّدة. الذي يهمني هو ما ستنطق به الآثار والنقوش غداً. وبما أن الله وفقني لاكتشاف أول نقوش مسيحية في منطقة الأخدود فإني أراه لزاماً علي المُضي في هذا المسار حتى النهاية.. تمهيد قصص كثيرة تحدثت عن نشأة المسيحية وانتشارها في نجران بعضها ورد في المصادر المسيحية والبعض في المصادر الإسلامية، وبين المصدرين المسيحي والإسلامي توافق في بعض الجوانب واختلاف في بعضها.

وبما أن شخصية عبد الله بن ثامر لم ترد في المصادر المسيحية فسأركز على الروايات الإسلامية. عندما يتحدث البعض عن قصة أصحاب الأخدود يخلطون بين زمنين هما عصر القديس عبد الله بن ثامر وعصر الملك الحميري اليهودي ذو نواس. فنجدهم يدمجون العصرين ويقدمون ابن ثامر كبطل لمحرقة الأخدود التي وقعت في شهر يونيو من عام 523م. أي قبل ألف وخمسمائة عام من اليوم.

في حين أن عبد الله بن ثامر عاش قبل محرقة الأخدود بمائة عام تقريباً. وهذا الخلط سببه الروايات التاريخية الضعيفة ومنها رواية نشوان الحميري في كتابه (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم) وهذا نصها: “أخدود بنجران خَدَّه الملك ذو نُواس الحميري وأحرق فيه نصارى نجران..وقيل إِنه ندم بعد ذلك وقال: أَلا لَيْتَ أُمِّي لم تَلِدْنِي ولَم أَكُنْ عَشِيَّةَ حَزَّ السيفُ رأسَ ابنِ ثامِرِ وابن ثامر هو عبد اللّاه بن الثامر الحارثي كان مؤمناً صالحاً على دين النصارى قتله ذو نواس الملك الحميري صاحب الأخدود بنجران، ثم ندم على قتله وتحريق أصحابه في الأخدود” انتهى الاقتباس.

هناك روايات إسلامية أخرى دمجت عصر ابن ثامر بعصر محرقة الأخدود ولكنني اخترت رواية نشوان الحميري لأنها الرواية الوحيدة -على حد اطلاعي- التي ذكرت نسب عبد الله بن ثامر وهذه معلومة جديدة على الكثيرين وتستحق النشر والتوقف عندها.

نبذة تعريفية عبد الله بن ثامر هو غلام اعتنق المسيحية على يد راهب نصراني اسمه فيميون. حيث كان الأهالي يُدرّسون أبناءهم السحر والشعوذة عند ساحر نجران؛ بينما كان الغلام عبد الله بن ثامر يتعلم من فيميون دعائم العقيدة المسيحية وعلومها حتى بلغ مرتبة علمية رفيعة وعرف اسم الله الأعظم وامتلك قدرات روحانية خارقة تمثلت في علاج كل الأمراض المستعصية، ونتيجة لذلك تنصر على يديه خلق كثير وصار له شأن عظيم في المجتمع. ولما علم بأمره حاكم نجران اليهودي حاول أن يقتله بكل الطرق ولكنه لم يستطع فقال له ابن ثامر إنك لن تقدر على قتلي حتى تؤمن بما آمنت به. فقال الملك: آمنت برب الغلام ثم ضربه بعصا فمات عبد الله بن ثامر من ساعته. ولكن حدث ماكان يخشاه الملك اليهودي حيث آمن الشعب كلهم عندما شاهدوا ما حدث.

مُلهم الشهداء عشرة من شهداء الأخدود كان اسمهم (عبد الله)، وأرى أن كثرة اسم عبد الله بين مؤمني نجران في تلك الفترة توحي بأنه كان لهم قدوة يستلهمون منه الصبر ورباطة الجأش والثبات على الحق إلى آخر رمق؛ وهذا الرمز أظنه كان عبد الله بن ثامر والله أعلم. ابن ثامر في الحديث لن أتوسع في سرد الأحاديث الصحيحة التي ذكرت قصة الغلام والساحر والراهب والملك اليهودي. ولكنني سأذكر حديث له علاقة بموضوعنا الجوهري (ضريح ابن ثامر). فقد روى الترمذي في قصة أصحاب الأخدود: “..فأمّا الغلام فإنه دُفِن. ثم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُخرج وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قُتل”. كذلك نقل المباركفوري عن ابن إسحاق قوله: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلاً من أهل نجران كان زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن الثامر فيها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده فإذا أُخِذت يده عنها انبعث دماً وإذا أُرسِلت يده ورُدّت عليها أمسكت دمها، وفي يده خاتم مكتوب فيه (ربي الله). فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره. فكتب عمر إليهم أن أقرّوه على حاله وردّوا عليه الذي كان عليه ففعلوا”. تحفة الأحوذي 9/186 . 

الصورةالصورةالصورة

ابن ثامر في الوجدان النجراني يرى أهالي نجران أن عبد الله بن ثامر كان تلميذاً نجيباً للراهب المسيحي فيمون الذي يعتقدون أن قبره يوجد في أعلى وادي نجران. ومن القصص الشهيرة لكرامات ابن ثامر التي مازال يتداولها الأهالي حتى اليوم هذه القصة: كان هناك ثلاثة أشخاص أعياهم التعب ونال منهم الجوع فقصدوا حارس ضريح ابن ثامر قبل مغيب الشمس وسألوه طعاماً فلم يجدوا عنده شيئاً. وقد كانت تعيش بجوار مقام ابن ثامر عائلة نجرانية معروفة يقوم أفرادها بخدمة الضريح وحراسته وتنظيف المكان والاعتناء بالزوار والبستان والعلوب السبعة. ارتمى الثلاثة في فناء الضريح منهكين وقال كبيرهم: “يا جماعة حِن ضيوف عبد الله ابن ثامر الليلة ولن نخيب بإذن الله”.

بعد أن مضى هزيع من الليل استيقظ الثلاثة على صوت بهيمة تجول في المكان وتصدر جلبة وصرير عندما تحك قرنها في خشبات المقام. تهلل وجه كبيرهم وصاح: “ابشروا بالخير.. ربي استجاب دعاكم وذا التيس ضيفتكم من ولي الله عليه السلام”. ذبحوه وتعشوا وأطعموا خَدَم الضريح وباتوا ليلتهم في غبطة وسرور وعند الصباح غادروا المقام. وبينما هم في الطريق لقيهم رجل يتتبع أثراً فسألوه عن أمره فقال: أقص أثر تيس فقدناه البارحة. فقالوا: صفه لنا. ولما وصفه قال كبيرهم: ابشر بالعوض تيسك ذبحناه وكليناه.. فالبارحة أمسينا جياع في الخَتم (الأخدود) وقلنا اللهم انحن ضيفانك يا ربي وضيفان سيدنا عبد الله، ثم جانا تيسك وقومنا من النوم وذبحناه، واليوم حقك عندنا. فما كان من الرجل إلا أن وضع يديه على راسه واخذ يكبر ويهلل ثم قال: سبحان الله.. والله يا الربع إني أمس نذرت هذا التيس صدقة لوجه الله الكريم ونويت أذبحه صباح اليوم وأقدمه لخدام وضيوف سيدنا عبد الله ابن ثامر؛ فالحمد لله اللي جعل نيتي تسبق عملي.. أما التيس فيهناكم وبالعافية عليكم.

البحث عن الضريح بدا لي الموضوع سهلاً في البداية حيث ظننت أن أهالي نجران جميعهم يعرفون مكان ضريح عبد الله بن ثامر ومسجده وبئره خاصة كبار السن. ولكن عندما انطلقت في البحث اصطدمت بالحقيقة المرة! لم أجد أحداً يعرف أين توجد أماكن هذه المعالم بالضبط .. وكل ما حصلت عليه في بداية الاستقصاء كان مجرد تخمينات وتوقعات لا تسمن ولا تغني من جوع. لم يكن البحث في هذا الموضوع سهلاً لأسباب عدة منها:

أولاً: لم يبقى أحد على قيد الحياة من الذين شاهدوها قبل هدمها.

ثانياً: تغيرت تضاريس المكان نتيجة الأعمال التي تم تنفيذها فيه (إنشاء طرق للسيارات، وأخرى للمشاة، والرصف…).

ثالثاً: المهتمون بهذا الشأن قليلون جداً.

رابعاً: البعض لديهم حساسية مفرطة تجاه الآثار المسيحية ويقلقهم أي اكتشاف مسيحي ويعملون على إبقاء هذا الإرث الديني في غياهب النسيان.

خامساً: تمدد الغطاء النباتي وزحفه على كثير من آثار الموقع.

سادساً: من يَعرفون -وهم قِلّة- لا يعرفون المكان بشكل جيد. فالذي يعرف موقع البئر لا يعرف موقع الضريح والعكس صحيح. وبعضهم يرى أنه ليس من الحكمة الكشف عن هذه الآثار بدافع الخوف من طمسها مجدداً!.. وكأن هذه الآثار ليست مطموسة منذ تسعين عاماً!..

من وجهة نظري أن هذا الخوف ليس مبرراً فهذه الآثار في حكم العدم وأرى بأن عصر الرؤية والانفتاح هو الوقت المناسب لانتشال هذه الكنوز الأثرية ووضعها على طاولة البحث العلمي. استعنت بكتاب جون فيلبي (مرتفعات الجزيرة العربية/ج1) الذي حققه وعلق عليه الدكتور غيثان الجريس، فقد رسم فيلبي خريطة لمدينة الأخدود الأثرية وحدد عليها بعض المواقع ومنها ضريح ابن ثامر. ولكن واجهني التحدي ذاته، فهي ليست خريطة وإنما مخطط توضيحي تقريبي رسمه فيلبي قبل أكثر من ثمانين سنة ومن الصعب إسقاطه على أرض الواقع بشكل دقيق. خاصةً أن بعض العلامات المساعدة التي ذكرها فيلبي قد تمت إزالتها نهائياً مثل معصرة الزيت (نجر أبو زيد)، وخمسة أشجار سدر.

أيضاً يوجد معلومة مُضَلّلة في كتاب فيلبي تقول: (أن أسطوانة معصرة الزيت مُلقاه على بعد 100 ياردة إلى جنوب شرق ضريح ابن ثامر). وهذا غير صحيح فالأسطوانة كانت جنوب غرب الضريح. وبالتالي هناك عدة احتمالات لهذا الخطأ. فإما أن يكون خطأ مطبعي، أو أن الأسطوانة كانت فعلاً جنوب شرق الضريح في زمن فيلبي ثم نُقِلت لاحقاً إلى جنوب غرب. وإما أن يكون الخطأ متعمد بقصد التمويه على موقع الضريح! لم أيأس وعاودت الغوص في أعماق الذاكرة الشعبية وقابلت عدداً من كبار السن الثقات الأذكياء رجالاً ونساء.ثم قمت بإنعاش ذاكرتهم بالمعلومات الواردة في خريطة فيلبي..وفي المحصلة جمعت منهم قدراً لا بأس به من المعلومات الهامة ثم قمت بالاستنباط والاسقاط والمقاربة والمقارنة بين خريطة الذاكرة الشعبية وخريطة فيلبي وتوصلت بعون الله وتوفيقه إلى هذه النتيجة التي أنشرها اليوم ولا أزعم أنها صحيحة 100٪ولكنها حصيلة جهدي المتواضع الذي أرجو أن يكون مفيداً للباحثين والمهتمين.

الصورةالصورةالصورة

النتائج

*ركام ضريح عبد الله بن ثامر يبعد عن شجرة السدر الجنوبية مسافة عشرة أمتار تقريباً جنوب شرق، تُغطّيه شجرة أثل بأغصانها. *بالنسبة لمسجد ابن ثامر فأعتقد أنه لم يكن هناك مسجد بجوار الضريح من الأساس؛ وإنما بسبب تعاقب الزيارات للضريح خاصة في العصر الإسلامي فقد تحول الفناء إلى مُصلّى وربما في فترات لاحقة تم بناؤه. *على بعد سبعين متر تقريباً جنوب شرق الضريح تقع بئر عبد الله بن ثامر بجوار شجرة أثل، كانت البئر مطوية بالطوب الآجر (اللبن الأحمر المحروق) وكان ماؤها عذباً قراح، وأرى أنها كانت مصدر الري الرئيسي للمقام والعلوب السبعة والمعبد الشمالي.

*ما هو المعبد الشمالي؟.. على بعد 170 متر شمال ضريح عبد الله ابن ثامر يقع بناء مستطيل لما يتبقى منه سوى أساسات جدران وخمسة أعمدة مكونة من طين وحجارة غير منتظمة. هذا البناء المجهول مكتوب في لوحته التعريفية أنه مسجد إسلامي!.. الغريب في أمر هذا البناء المستطيل أنه مَبْنِي داخل بناء أكبر حجارته مقصوصة بشكل متقن وفي بعضها رسومات حيوانية ونقوش مسندية تعود إلى ما قبل ميلاد المسيح. أرى بأن هذا البناء الذي يقع ضمن النطاق المكاني لضريح عبد الله ابن ثامر له علاقة بالمسيحية فربما كانت كنيسة تم تشييدها باستخدام أحجار من القلاع التي في غرب الموقع الأثري.

*ضريح ابن ثامر تحول إلى نواة مقبرة حيث تحيط به قبور من الجهة الجنوبية ومن الجهة الشمالية الشرقية وغالبية القبور ذات طابع إسلامي من حيث اتجاه القبر. ومازال أحد القبور المجاورة للضريح يحتفظ بشاهده وهو عبارة عن نصيبة حجرية منقوش فيها خمسة سطور بخط عربي ربما يعود إلى القرن السابع/ الثامن الهجري تقريباً. السطر الأول متضرر جداً وهو يتضمن اسم صاحب القبر، أما السطور التالية فأستطيع تخمين محتواها لأنه عبارة عن دعاء شائع في أغلب شواهد نجران القبورية العائدة لتلك الفترة (القرن 6هـ، 7هـ، 8هـ)، وأظن الدعاء مستلهم من قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}. (آية 69/سورة النساء).

قراءة الشاهد: 1- …بن …. 2- رحمه الله رحمة الأبرار ونجاه 3- من عذاب النار وحشره في زمرة 4- النبيين والصديقين والشهداء 5- والصالحين وحسن أولئك رفيقا *اسم (القبيبات) الذي ورد في كتاب فيلبي وقال إنه اسم البئر المجاورة لضريح عبد الله بن ثامر؛ أرى بأنه اسم حديث أطلقه المتشددون في تلك الفترة على منطقة الضريح ومحيطها بسبب وجود قباب فوق الأضرحة. إن صح توقعي فإن اسم (قبيبات) يتضمن إشارة إلى مقبرة تخص رموز دين كبار كشهداء الأخدود على سبيل المثال! *على الرغم أنني ضد الفكر الديني المتشدد الذي هدم آثار ابن ثامر بذريعة محاربة البدع والشركيات إلا أنه من باب الإنصاف والحيادية ينبغي أن أذكر التجاوزات والسلوكيات التي كان يمارسها بعض الأهالي عند مقام ابن ثامر آنذاك؛ والتي قد تكون هي السبب في هدم القباب وردم البئر.

حيث كان الأهالي يقيمون كرنفال (احتفال شعبي) سنوي في العيدين عند مقام ابن ثامر فيلتقون كباراً وصغار رجالاً ونساء يحتفلون ويطربون بكل عفوية وبساطة. وكان من أهازيجهم: “يا زين بُرّك يا ابن ثامر،،،متمايلٍ من جور حَبّه”. وكانت تقام سبعة ملاعب يمارسون فيها فنونهم الشعبية وأظن الرقم سبعة مرتبط بعدد أشجار السدر التي كانت في المكان؛ فربما استظلت كل مجموعة تحت شجرة والله أعلم. من خلال هذا الكرنفال الموسمي الذي يستعرضون فيه فنونهم وأزياءهم ومفاخرهم ويمددونه لأيام عديدة نستشف أن الإنسان بفطرته وطبيعته يحب الحياة والبهجة والتواصل مع الآخرين وفي سبيل ذلك يختلق الحِيَل والذرائع ويستثمر مناسباته الدينية وأماكنه المقدسة ويوظفها لتحقيق سعادته. هذه الاحتفالات أظن بأن أمرها قد التبس على المتشددين وفسروها بشكل خاطئ فربما حسبوها طقوس قبورية ما أدى إلى اتخاذ القرار بهدم القباب والأضرحة وردم البئر ومن ثم التمركز في المكان لإبعاد الناس عنه. كما لا أستبعد أن يكون المتشددون قد شاهدوا بعض الممارسات الدينية الخاطئة فهذا أمر وارد في كل المجتمعات فلا يوجد مجتمع ملائكي على هذا الكوكب.

لكن يجب أن ندرك بأن الوضع قد تغير اليوم فالوعي الديني ارتفع عند الناس في كل المناطق. وأصبحنا نعيش في ظل دولة قانون قادرة على فرض النظام والقضاء على مظاهر الجهل والخرافة. كذلك لا أستبعد أن قطع خمسة أشجار من أصل سبعة من علوب ابن ثامر يندرج ضمن عملية (محاربة البدع)، علماً بأن قطعها حدث لاحقاً واستخدمت في بناء قصر ابن ماضي في أبا السعود كما أخبرني أحد كبار السن.

الصورةالصورة

الصورة

توصيات

الذاكرة الشعبية هي الخريطة الذهبية التي ترشدنا إلى الكنوز الأثرية وهنا ينتهي دورها.. أما الدراسة والفحص والنفي والإثبات فهو دور العلماء لذا آمل:

-أن يقوم المختصون بعمليات تنقيب دقيقة تخدم الحقيقة وفي الوقت ذاته لا تنتهك حرمة الموتى والقبور.

-إجراء دراسات موسعة تهدف إلى التأكد من هوية موقع الضريح ومحيطه وتجيب على بعض الأسئلة: هل الضريح يعود لابن ثامر المسيحي أم لشخصية إسلامية؟ هل الموقع نصراني أو إسلامي أو مشترك؟! هل النقوش المسندية الموجودة قرب الموقع لها علاقة به أم أنها منقولة من القلعة الرئيسية؟

-إعادة حفر البئر وترميم منشآت الموقع والتعريف بها وفقاً لنتائج الدراسات العلمية.

-أشجار السدر في الموقع يقدرون عمرها بـ 300عام كما هو مدوّن في اللوحة التعريفية. وأرى أنها أكبر من ذلك ومن المهم تقدير عمرها بطريقة علمية.

-أعضاء فريق التنقيب الذين يعملون في مدينة الأخدود الأثرية بشكل موسمي يمتلكون العلم والخبرة وفيهم الخير والبركة، ولكن لضمان مستوى أعلى من الكفاءة والإنتاجية يوصي الباحث برفدهم ودعم فريقهم بأعضاء جدد متحررون من العقد الدينية، وأن لا يكون همهم الشاغل جمع المال. فالدولة أعزها الله تدعم بسخاء مشاريع التنقيب الأثري كما تدعم مشاريع التنمية في كافة المجالات. والباحث الحقيقي الذي يُعوّل عليه هو الذي لا يطغى عنده حب المال على حب الاكتشاف وشغف استخراج الحقائق من أعماق التاريخ. خاتمة لم يكن هناك اهتمام حقيقي بالآثار والتراث في المملكة العربية السعودية قبل ظهور سمو سيدي ولي العهد محمد بن سلمان حفظه الله. حيث كان الاهتمام مقصوراً على الآثار الإسلامية فقط.

أما في عصر القائد المجدد فقد تغير الحال وأصبح من الضروري أن تتناغم ثقافة المنقبين والباحثين مع رؤية 2030 حتى تواكب إنجازاتهم تطلعات قائدنا المُلهم وتحقق مستهدفات رؤيته الوطنية. فالدولة تولي قطاع الآثار والتراث اهتمام كبير جداً وتسخر كل الإمكانيات في سبيل تنميته وما نشاهده من مشاريع تطويرية كبرى يقودها سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود هي أكبر دليل على هذا الاهتمام. فالآثار هي الجذر الراسخ الذي يغذي هويتنا العربية الأصيلة، وهي الرافد الحيوي لاقتصادنا الوطني. فآثار نجران المكتشفة حتى الآن تمثل كنوز أثرية سيتوافد إلى زيارتها السياح من كل أصقاع الأرض وهذه السياحة الأثرية ستوفر لخزينة الدولة مداخيل مالية كبيرة.

كما أن مكة المكرمة هي منبع الرسالة المحمدية ومهبط الوحي؛ فإن نجران هي مهد المسيحية المبكرّة النقيّة التي أنجبت عبد الله بن ثامر وشهداء الأخدود وقس بن ساعدة. لذا آمل الاهتمام بآثار نجران المسيحية علماً بأن الشرائع السماوية كلها تصب في بوتقة دين واحد هو الإسلام دين المحبة والتعايش والتسامح الذي احتوى وحمى اليهود والنصارى في العهد النبوي وكفل لهم حرية المعتقد وممارسة الشعائر بطمأنينة وسلام؛ يشهد على ذلك عهد النبي ﷺ مع يهود يثرب، وعهده لنصارى نجران.

إن حادثة الأخدود المذكورة في القرآن الكريم هي فخر التاريخ النجراني؛ ونجران هي المدينة التي ورثت سِر المسيح وقام غلامها عبد الله بن ثامر يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من كل داء بإذن الله. وهي التي قُتِلَ أهلها على شريعة المسيح. وهي التي تلقّفَت بشارة المسيح بأحمد وانطلقت تبشر به الناس في مكة على لسان أسقفها قس بن ساعدة. إن بين الطوائف المسيحية في نجران طائفة مايزال يكتنفها الغموض وتحتاج إلى من يستجلي حقيقتها وأرى أن آثار الضريح والبئر ومحيطها هي الخيوط الأولى التي ستقودنا إلى حقيقة مسيحية نجران المؤمنة الموحدة.  انتهى

الصورةالصورة

الصورةالصورة

………

بقلم/ مشعل بن عبد الله