أَلا مَن لِهَمٍّ آخِرَ اللَيلِ مُنصِبِ
209
أَلا مَن لِهَمٍّ آخِرَ اللَيلِ مُنصِبِ
وَأَمرٍ جَليلٍ فادِحٍ لِيَ مُشيِبِ
أَرِقتُ لِما قَد غالَني وَتَبادَرَت
سَواكِبُ دَمعِ العَينِ مِن كُلِّ مَسكَبِ
فَقُلتُ وَقَد بَلَّت سَوابِقُ عَبرَتي
رِدائي مَقالَ الموجَعِ المُتَحَوِّبِ
أَلَا بَهلَةُ اللَهِ الَّذي عَزَّ جارُهُ
عَلى الناكِثينَ الغادِرينَ بِمُصعَبِ
جَزى اللَهُ عَنا جَمعَ قَحطانَ كُلِّها
جَزاءَ مُسيءٍ قاسِطِ الفِعلِ مُذنِبِ
وَجَمعَ مَعَدٍّ قَومِه غابَ نَصرُهُم
غَداتَئِذٍ عَنهُ وَرَبِّ المُحَصَّبِ
جَزاهُم إِلَهُ الناسِ شَرَّ جَزائِهِ
بِخِذلانِ ذي القُربى الأَريبِ المُدّرَّبِ
إِمامِ الهُدى وَالحِلمِ وَالسِلمِ وَالتُقى
وَذي الحَسَبِ الزاكي الرَفيعِ المُهَذَّبِ
لَحى اللَهُ أَشرافَ العِراقِ فَإِنَّهُم
هُمُ شَرُّ قَومٍ بَينَ شَرقٍ وَمَغرِبِ
هُمُ مَكَروا بِاِبنِ الحَوارِيِّ مُصعَبٍ
وَلَم يَستَجيبوا لِلصَريخِ المُثَوِّبِ
دَعاهُم بِأَن ذودوا العِدى عَن بِلادِهِم
وَأَموالِكُم بِكُلِّ أَبيَضَ مُقضَبِ
فَوَلّوا يُنادي المَرءُ مِنهُم عَشيرَهُ
أَلا خَلِّ عَنهُم لا أَبالَكَ وَاِذهَبِ
جَزى اللَهُ حَجّاراً هُناكَ مَلامَةً
وَفَرخَ عُميرٍ مِن مُناجٍ مُؤَلِّبِ
وَما كانَ عَتّابٌ لَهُ بِمُناصِحٍ
وَلا كانَ عَن سَعيٍ عَلَيهِ بِمُغرِبِ
وَلا قَطَنٌ وَلا اِبنُهُ لَم يُناصِحا
فَتَبّاً لِسَعيِ الحارِثِيِّ المُتَبَّبِ
وَلا العَتَكِيُّ إِذ أَمالَ لِواءَهُ
فَوَلّى بِهِ عَنهُ إِلى شَرِّ مَوكِبِ
وَلا اِبنُ رُوَيمٍ لا سَقى اللَهُ قَبرَهُ
فَباءَ بِجَدعٍ آخِرَ الدَهرِ موعِبِ
وَما سَرَّني مِن هَيثَمٍ فَعلُ هَيثَمٍ
وَإِن كانَ فينا ذا غَناءٍ وَمَنصِبِ
وَلا فِعلُ داوودَ القَليلِ وَفاؤُهُ
فَقَد ظَلَّ مَحمولاً عَلى شَرِّ مركِبِ
وَلَكِن عَلى فَيّاضِ بَكرِ بنِ وائِلٍ
سَأُثني وَخَيرُ القَولِ ما لَم يُكَذَّبِ
دَعا اِبنَ الحَوارِيَّ الهُمامَ إِمامَهُ
لِيَمنَعَهُ مِن كُلِّ غاوٍ وَمُجلِبِ
فَأَضحى اِبنُ تَيمِ اللاتِ أَمنَعَ مانِعٍ
لِجارٍ بِلا شَكٍّ وَمَأوى المُعَصَّبِ
فَيا سائِراً نَحوَ المَشاعِرِ لا تَني
أَلا اِرفَع بِهَدلاءِ المَشافِرِ مِنعَبِ
أَلا وَاِنعِ خَيرَ الناسِ حَيّاً وَمَيِّتاً
إِلى أَهلِ بَطحاءَي قُرَيشٍ وَيَثرِبِ
فِداً لَكَ فَاِذكُر زَحفَهُ وَمَسيرَهُ
يُزَجّي الخُيولَ مِقنَباً بَعدَ مِقنَبِ
سَما مُصعِداً بِالجَيشِ يَسري وَيَغتَدي
إِلى بَطَلٍ مِن آلِ مَروانَ مُجلِبِ
غَزا بِجُنودِ الشامِ يَكبِدُ كَبدَها
يُجيزُ إِلَيهِم سَبسَباً بَعدَ سَبسَبِ
فَلَمّا تَوافَينا جَميعاً بِمَسكِنٍ
عَصَينا بِنَوعٍ مِن غَرامِ مُعَذَّبِ
بِمَقتَلِ ساداتٍ وَمَهلِكِ ماجِدٍ
رَفيعِ الرَوابي مِحرَبٍ وَاِبنِ مِحرَبِ
هُوَ الضَيغَمُ النَهدُ الرَئيسُ بنُ مالِكٍ
إِذا شَدَّ يَوماً شَدَّةً لَم يُكَذَّبِ
أَتى مُصعَباً فَقالَ مَن كانَ مِنهُمُ
فَعاقِب بِوَقعٍ مَن بَدا لَكَ مُرهِبِ
وَشُدَّ عَلى الأَشرافِ شَدَّةَ ماجِدٍ
وَأَعناقَهُم قَبلَ الصَباحِ فَضَرِّبِ
وَإِلّا فَبَكِّت في السُجونِ سَراتَهُم
إِلى أَن تُفيقَ الناسُ تُصحَب وَتُرقَبِ
وَدَعني وَأَهلَ القَريَتَينِ أَسِر بِهِم
وَغادِرهُمُ في مَحبِسٍ كَالمُؤَدَّبِ
مَلامَ مُلِحٍّ قَد أَمِنتَ اِغتِيالَهُ
وَما جاهِلٌ بِالأَمرِ مِثلُ المُجَرِّبِ
فَقالَ لَهُ سِر بِالجُيوشِ إِلى العِدى
وَناجِز وَقارِع وَاِصدُقِ القَومَ تَغلِبِ
فَإِنّي بِحَقٍّ لَستُ أَبَداً مُسلِّماً
بِغَدرٍ فَفي التَقوى وَفي الدينِ فَاِرغَبِ
فَسارَ إِلى جَمعِ اِبنِ مَروانَ مُعلَماً
فَناهَضَهُم وَالحَربُ ذاتُ تَلَهُّبِ
وَجاهَدَ في فُرسانِهِ وَرِجالَهِ
وَأَقدَمَ لَم يَنكُل وَلَم يَتَهَيَّبِ
فَلاقي أُسَيدٌ يَومَ ذَلِكَ حَتفَهُ
وَقَطَّرَهُ مِنّا فَتىً غَيرُ جَأنَبِ
أَشَمُّ نَراهُ عالِيَ الجِسمِ صَقعَباً
وَبِالسَيفِ مِقداماً نَجيباً لِمُنحِبِ
وَكادَت جُموعُ الشامِ يَشمَلُها الرَدى
غَداتَئِذٍ فَاِسمَع أُحَدِّثكَ تَعجَبِ
فَلَمّا رَأى أَبناءُ مَروانَ وَقعَهُ
بِجَمعِهِمُ ظَلّوا بِيَومٍ عَصَبصَبِ
فَصَبَّحَهُ فُرسانَهُ وَرِجالَهُ
وَناهَضَ لَم يَبعَل وَلَم يَتَهَيَّبِ
وَأَدبَرَ عَنهُ الغادِرُ اِبنُ القَبَعثَرَي
وَما كانَ بِالحامي وَلا بِالمُذَبَّبِ
وَقَد نَقَضَ الصَفَّ اِبنُ وَرقاءَ ثانِياً
وَغادَرَهُ يَدعو إِلى جانِبِ النَبِي
فَثابَ إِلَيهِ كُلُّ أَروَعَ ماجِدٍ
صَبورٍ عَلى ما ثابَهُ مُتَلَبِّبِ
فَضارَبَ حَتّى خَرَّ غَيرَ مُوائِلٍ
إِلى جانِبٍ مِنهُ عَزيزٍ وَمَنكِبِ
وَصُرِّعَ أَهلُ الصَبرِ في الصَفِّ كُلُّهُم
وَأَجفَلَ عَنهُ كُلُّ وانٍ مُحَوِّبِ
فَلَمّا أَتى قَتلُ اِبنِ أَشتَرَ مُصعَباً
دَعا عِندَهُ عيسى وَقالَ لَهُ اِهرُبِ
فَقالَ مَعاذَ اللَهُ لَستُ بِهارِبٍ
أَأَهرُبُ إِن دَهرٌ بِنا حادَ عَن أَبي
فَقالَ تَقَدَّم أَحتَسِبكَ فَأَقبَلَت
إِلَيهِ جُموعٌ مِن كِلابٍ وَأَذؤُبِ
فَقالَ لِفُجّارِ العِراقَينِ قَدِّموا
فَوَلّوا شِلالاً كَالنَعامِ المُخَصَّبِ
وَشَدّوا عَلَيهِ بِالسُيوفِ فَلَم يَرِم
كَلَيثِ العَرينِ الخادِرِ المُتَحَرِّبِ
فَضارَبَهُم يَحيى وَعيسى أَمامَهُ
وَضارَبَ تَحتَ الساطِعِ المُتَنَصِّبِ
فَما بَرِحوا حَتّى أَزارَهُمُ القَنا
شُعوبَ وَمَن يَسلُب وَجَدِّكَ يُسلَبِ
فَبَكِّ فتى الدُنيا وَذا الدينِ مُصعَباً
وَأَعوِل عَلَيهِ وَاِسفَحِ الدَمعَ وَاِنحَبِ
لَقَد رَحَلَ الأَقوامُ غَدراً وَغادَروا
بِمَسكِنَ أَشلاءَ الهُمامِ المُحَجَّبِ
صَريعَ قَناً تَسفي عَلى وَجهِهِ الصَبا
وَريحُ شَمالٍ بَعدَها ريحُ أَجنُبِ
وَأَضحى بِديرِ الحاثَليقِ مُلَحَّباً
فَلا يَبعَدَنَّ مِن قَتيلٍ مُلَحَّبِ
سَقى السارِياتُ الجونُ جُثمانَ مُصعَبٍ
وَأَشلاءَ عيسى المُرتَجى صَوبَ صَيِّبِ
وَفِتيانَ صِدقٍ صُرِّعوا ثَمَّ حَولَهُ
عَلى الحَقِّ مَن لا يَعرِفِ الحَقَّ يَرتَبِ
أَمُصعَبُ مَن يَحرُب وَيُذمَم فِعالُهُ
فَما كُنتَ بِالواني وَلا المُتَحَرَّبِ
لَقَد عِشتَ ذا حَزمٍ وَجودٍ وَنائِلٍ
فَيا عَجباً لِدَهرِكَ المُتَقَلِّبِ
أَلَم تَكُ مِعطاءَ الجَزيلِ وَناعِشَ ال
فَقيرِ وَمَأوى كُلِّ عافٍ وَمُجدِبِ
وَكُنّا مَتى نَعتِب عَلَيكَ وَنَلتَمِس
جَداكَ يَنَلنا مِن جَداكَ وَتُعتِبِ
فَقَد جاءَنا مِن بَعدِكَ المَعشَرُ العِدى
وَوالٍ مَتى يُنطَق حَوالَيهِ يَغضَبِ
وَإِن تُلتَمَس مَنهُ الزِيادَةُ وَالجَدا
وَيُستَمطَرِ المَعروفَ يَغضَب وَيَحرَبِ
وَتُسمَر بِلا ذَنبٍ أَكُفُّ غُزاتِنا
وَتُقطَعُ أَيديهِم وَشيكاً وَتُصلَبِ
فَيا دَهرَنا مِن قَبلِ مَقتَلِ مُصعَبٍ
أَلا اِرجِع بِدُنيانا الرَفيعَةِ تَخصِبِ
وَبِالأَمنِ وَالعَيشِ الَّذي حَلَّ دونَهُ
فَهَذا زَمانُ الخائِفِ المُتَرَقِّبِ
فَبُعداً لِقَومٍ أَسلَموا أَمسِ مُصعَباً
بِحَدِّ سِنانٍ سَمهَرِيٍّ مُذَرَّبِ
وَلِلسَيفُ نَغشاهُ وَيَفري شُئونَهُ
وَكانَ الحَيا لِلمُفلِحِ المُتَشَعِّبِ
وَدانوا لِطاغٍ قَد أَراقَ دِماءَهُم
عَسوفٍ صَدوقٍ قاسِطِ الفِعلِ مُشغِبِ
وَقالَ لَهُم ذوقوا جَنى ما غَرَستُمُ
أَلا رُبَّ بانٍ لِلعِمارَةِ مُخرِبِ
وَإِنّيَ مِمَّن يُخمِدُ الحَربَ تارَةً
وَأُحمَلُ أَحياناً عَلَيها فَأَركَبِ