المعلقة

272

وَدّعْ هُرَيْرَةَ إنّ الرَّكْبَ مرْتَحِلُ

وَهَلْ تُطِيقُ وَداعاً أيّهَا الرّجُلُ ؟

غَرَّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُهَا

تَمشِي الهُوَينَا كَمَا يَمشِي الوَجي الوَحِلُ

كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا

مَرُّ السَّحَابَةِ ، لاَ رَيْثٌ وَلاَ عَجَلُ

تَسمَعُ للحَلِي وَسْوَاساً إِذَا انصَرَفَتْ

كَمَا استَعَانَ برِيحٍ عِشرِقٌ زَجِلُ

لَيستْ كَمَنْ يكرَهُ الجِيرَانُ طَلعَتَهَا

وَلاَ تَرَاهَا لسِرِّ الجَارِ تَخْتَتِلُ

يَكَادُ يَصرَعُهَا ، لَوْلاَ تَشَدُّدُهَا

إِذَا تَقُومُ إلى جَارَاتِهَا الكَسَلُ

إِذَا تُعَالِجُ قِرْناً سَاعةً فَتَرَتْ

وَاهتَزَّ مِنهَا ذَنُوبُ المَتنِ وَالكَفَلُ

مِلءُ الوِشَاحِ وَصِفْرُ الدّرْعِ بَهكنَةٌ

إِذَا تَأتّى يَكَادُ الخَصْرُ يَنْخَزِلُ

صَدَّتْ هُرَيْرَةُ عَنَّا مَا تُكَلّمُنَا

جَهْلاً بأُمّ خُلَيْدٍ حَبلَ مَنْ تَصِلُ ؟

أَأَنْ رَأَتْ رَجُلاً أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ

رَيبُ المَنُونِ ، وَدَهْرٌ مفنِدٌ خَبِلُ

نِعمَ الضَّجِيعُ غَداةَ الدَّجنِ يَصرَعهَا

لِلَّذَّةِ المَرْءِ لاَ جَافٍ وَلاَ تَفِلُ

هِرْكَوْلَةٌ ، فُنُقٌ ، دُرْمٌ مَرَافِقُهَا

كَأَنَّ أَخْمَصَهَا بِالشّوْكِ مُنْتَعِلُ

إِذَا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ أصْوِرَةً

وَالزَّنْبَقُ الوَرْدُ مِنْ أَرْدَانِهَا شَمِلُ

ما رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الحَزْنِ مُعشبةٌ

خَضرَاءُ جَادَ عَلَيهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ

يُضَاحكُ الشَّمسَ مِنهَا كَوكَبٌ شَرِقٌ

مُؤزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ

يَوْماً بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ

وَلاَ بِأَحسَنَ مِنهَا إِذْ دَنَا الأُصُلُ

عُلّقْتُهَا عَرَضاً ، وَعُلّقَتْ رَجُلاً

غَيرِي ، وَعُلّقَ أُخرَى غَيرَهَا الرَّجلُ

وَعُلّقَتْهُ فَتَاةٌ مَا يُحَاوِلُهَا

مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهْذِي بِهَا وَهلُ

وَعُلّقَتْنِي أُخَيْرَى مَا تُلائِمُنِي

فَاجتَمَعَ الحُبّ حُبًّا كُلّهُ تَبِلُ

فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بِصَاحِبِهِ

نَاءٍ وَدَانٍ ، وَمَحْبُولٌ وَمُحْتَبِلُ

قَالَتْ هُرَيرَةُ لَمَّا جِئتُ زَائِرَهَا

وَيْلِي عَلَيكَ ، وَوَيلِي مِنكَ يَا رَجُلُ

يَا مَنْ يَرَى عَارِضاً قَدْ بِتُّ أَرْقُبُهُ

كَأَنَّمَا البَرْقُ فِي حَافَاتِهِ الشُّعَلُ

لَهُ رِدَافٌ ، وَجَوْزٌ مُفْأمٌ عَمِلٌ

مُنَطَّقٌ بِسِجَالِ المَاءِ مُتّصِلُ

لَمْ يُلْهِنِي اللَّهْوُ عَنْهُ حِينَ أَرْقُبُهُ

وَلاَ اللَّذَاذَةُ مِنْ كَأسٍ وَلاَ الكَسَلُ

فَقُلتُ للشَّرْبِ فِي دُرْنِى وَقَدْ ثَمِلُوا

شِيمُوا ، وَكَيفَ يَشِيمُ الشَّارِبُ الثَّمِلُ

بَرْقاً يُضِيءُ عَلَى أَجزَاعِ مَسْقطِهِ

وَبِالخَبِيّةِ مِنْهُ عَارِضٌ هَطِلُ

قَالُوا نِمَارٌ ، فبَطنُ الخَالِ جَادَهُمَا

فَالعَسْجَدِيَّةُ فَالأبْلاءُ فَالرِّجَلُ

فَالسَّفْحُ يَجرِي فَخِنْزِيرٌ فَبُرْقَتُهُ

حَتَّى تَدَافَعَ مِنْهُ الرَّبْوُ ، فَالجَبَلُ

حَتَّى تَحَمَّلَ مِنْهُ المَاءَ تَكْلِفَةً

رَوْضُ القَطَا فكَثيبُ الغَينةِ السَّهِلُ

يَسقِي دِيَاراً لَهَا قَدْ أَصْبَحَتْ عُزَباً

زُوراً تَجَانَفَ عَنهَا القَوْدُ وَالرَّسَلُ

وَبَلدَةٍ مِثلِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ

للجِنّ بِاللّيْلِ فِي حَافَاتِهَا زَجَلُ

لاَ يَتَمَنّى لَهَا بِالقَيْظِ يَرْكَبُهَا

إِلاَّ الَّذِينَ لَهُمْ فِيمَا أَتَوْا مَهَلُ

جَاوَزْتُهَا بِطَلِيحٍ جَسْرَةٍ سُرُحٍ

فِي مِرْفَقَيهَا إِذَا استَعرَضْتَها فَتَلُ

إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لاَ نِعَالَ لَنَا

إِنَّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ

فَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتَهُ

وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمّ مَا يَئِلُ

وَقَدْ أَقُودُ الصِّبَى يَوْماً فيَتْبَعُنِي

وَقَدْ يُصَاحِبُنِي ذُو الشّرّةِ الغَزِلُ

وَقَدْ غَدَوْتُ إلى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي

شَاوٍ مِشَلٌّ شَلُولٌ شُلشُلٌ شَوِلُ

فِي فِتيَةٍ كَسُيُوفِ الهِندِ قَدْ عَلِمُوا

أَنْ لَيسَ يَدفَعُ عَنْ ذِي الحِيلةِ الحِيَلُ

نَازَعتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئاً

وَقَهْوَةً مُزّةً رَاوُوقُهَا خَضِلُ

لاَ يَستَفِيقُونَ مِنهَا ، وَهيَ رَاهنَةٌ

إِلاَّ بِهَاتِ ! وَإنْ عَلّوا وَإِنْ نَهِلُوا

يَسعَى بِهَا ذُو زُجَاجَاتٍ لَهُ نُطَفٌ

مُقَلِّصٌ أَسفَلَ السِّرْبَالِ مُعتَمِلُ

وَمُستَجيبٍ تَخَالُ الصَّنجَ يَسمَعُهُ

إِذَا تُرَجِّعُ فِيهِ القَيْنَةُ الفُضُلُ

مِنْ كُلّ ذَلِكَ يَوْمٌ قَدْ لَهَوْتُ بِهِ

وَفِي التَّجَارِبِ طُولُ اللَّهوِ وَالغَزَلُ

وَالسَّاحِبَاتُ ذُيُولَ الخَزّ آونَةً

وَالرّافِلاتُ عَلَى أَعْجَازِهَا العِجَلُ

أَبْلِغْ يَزِيدَ بَنِي شَيْبَانَ مَألُكَةً

أَبَا ثُبَيْتٍ ! أَمَا تَنفَكُّ تأتَكِلُ ؟

ألَسْتَ مُنْتَهِياً عَنْ نَحْتِ أثلَتِنَا

وَلَسْتَ ضَائِرَهَا مَا أَطَّتِ الإبِلُ

تُغْرِي بِنَا رَهْطَ مَسعُودٍ وَإخْوَتِهِ

عِندَ اللِّقَاءِ ، فتُرْدِي ثُمَّ تَعتَزِلُ

لأَعْرِفَنّكَ إِنْ جَدَّ النَّفِيرُ بِنَا

وَشُبّتِ الحَرْبُ بالطُّوَّافِ وَاحتَمَلُوا

كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليَفْلِقَهَا

فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ

لأَعْرِفَنَّكَ إِنْ جَدَّتْ عَدَاوَتُنَا

وَالتُمِسَ النَّصرُ مِنكُم عوْضُ تُحتملُ

تُلزِمُ أرْماحَ ذِي الجَدّينِ سَوْرَتَنَا

عِنْدَ اللِّقَاءِ ، فتُرْدِيِهِمْ وَتَعْتَزِلُ

لاَ تَقْعُدَنّ ، وَقَدْ أَكَّلْتَهَا حَطَباً

تَعُوذُ مِنْ شَرِّهَا يَوْماً وَتَبْتَهِلُ

قَدْ كَانَ فِي أَهلِ كَهفٍ إِنْ هُمُ قَعَدُوا

وَالجَاشِرِيَّةِ مَنْ يَسْعَى وَيَنتَضِلُ

سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ عَنَّار ، فَقَدْ عَلِمُوا

أَنْ سَوْفَ يَأتِيكَ مِنْ أَنبَائِنَا شَكَلُ

وَاسْأَلْ قُشَيراً وَعَبْدَ اللهِ كُلَّهُمُ

وَاسْألْ رَبِيعَةَ عَنَّا كَيْفَ نَفْتَعِلُ

إِنَّا نُقَاتِلُهُمْ ثُمَّتَ نَقْتُلُهُمْ

عِندَ اللِّقَاءِ ، وَهُمْ جَارُوا وَهُمْ جَهِلُوا

كَلاَّ زَعَمْتُمْ بِأنَّا لاَ نُقَاتِلُكُمْ

إِنَّا لأَمْثَالِكُمْ ، يَا قَوْمَنَا ، قُتُلُ

حَتَّى يَظَلّ عَمِيدُ القَوْمِ مُتَّكِئاً

يَدْفَعُ بالرَّاحِ عَنْهُ نِسوَةٌ عُجُلُ

أصَابَهُ هِنْدُوَانيٌّ ، فَأقْصَدَهُ

أَوْ ذَابِلٌ مِنْ رِمَاحِ الخَطِّ مُعتَدِلُ

قَدْ نَطْعنُ العَيرَ فِي مَكنُونِ فَائِلِهِ

وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا البَطَلُ

هَلْ تَنْتَهُونَ ؟ وَلاَ يَنهَى ذَوِي شَطَطٍ

كَالطَّعنِ يَذهَبُ فِيهِ الزَّيتُ وَالفُتُلُ

إِنِّي لَعَمْرُ الَّذِي خَطَّتْ مَنَاسِمُهَا

لَهُ وَسِيقَ إِلَيْهِ البَاقِرُ الغُيُلُ

لَئِنْ قَتَلْتُمْ عَمِيداً لَمْ يكُنْ صَدَداً

لَنَقْتُلَنْ مِثْلَهُ مِنكُمْ فنَمتَثِلُ

لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبّ مَعرَكَةٍ

لَمْ تُلْفِنَا مِنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ

نَحنُ الفَوَارِسُ يَوْمَ الحِنوِ ضَاحِيَةً

جَنْبَيْ ( فُطَيمَةَ ) لاَ مِيلٌ وَلاَ عُزُلُ

قَالُوا الرُّكُوبَ ! فَقُلنَا تِلْكَ عَادَتُنَا

أَوْ تَنْزِلُونَ ، فَإِنَّا مَعْشَرٌ نُزُلُ

معلومات عن الشاعر: الشاعر الأعشى

الأعشى ? – 7 هـ / ? – 628 م ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى