قَضِيبٌ نَضا من مُقْلَتَيِهْ قَضِيبا

133

قَضِيبٌ نَضا من مُقْلَتَيِهْ قَضِيبا

فأَصْمي وأَدْمَي أَعْيُنا وقُلوبا

إذا نَدَبَتْهُ نَظْرةُ منه غادَرَتْ

مَضارِبُهُ تحت الضلوع نُدوبا

فما لاحَ غَرْب منه إِلا وأَفْرَغَتْ

جُفونُ عيون الناظرين غُروبا

جَلاهُ علىَّ اللَّحْظُ أَبْيَضَ صافِياً

فما عادَ إِلا بالدِّماءِ خَضِيبا

وأَطلُبُ شَمْساً تحت ليلٍ فبادَرَتْ

مُحاولةً شمسُ النهار غُروبا

يُوَدِّعُني باللَّحْظِ سِرّاً مُراقبا

على اللفظ منه كاشِحاً ورقِيبا

وقد شَرقَتْ عَيْناهُ بالدَّمْعِ لكنه

حِذاراً وأَبْدَي لَوْعَةً ونَحِيبا

ولم يستطع رَدّا لِساني وإِنَّما

دَعا من دُموعِ المُقْلَتَيْن مُجِيبا

بنفسيَ مَنْ اُلْبْستُ ثوب اشتياقه

وغودِرْتُ من ثوبِ العَزاءِ سَليبا

ومن كلما كَررْتُ ذِكْراه شَقَّقتْ

يَدُ الوَجْدِ من قُمْصِ السُّلُوِّجيوبا

زَمَمْت رِكابي عنه للَبينِ لم يخُنْ

ودادي ولا أَسْدَي إلىَّ ذُنوبا

وودَّعْتُه والوجْدُ حَشْوُ ضُلوعه

حزيناً لَبيْني يومَ جَدَّ كَئِيبا

يُخالِفُ بين الراحَتَيْن على الحَشَي

ويشكوا استعاراً حَشْوَها ولَهِيبا

وقال وقد جَدَّ الفِراقُ وقَلْبُهُ

يُرَجَّعُ ما بين الفؤاد وَجِيبا

تَق الله في نَفْسِ أُمِجَّ فؤادُها

مَخافَةَ تفريِق النِّوَي وأُذِيبا

فقُلتُ ولم أَملك سَوابِقَ عَبْرَةٍ

غدا مُعْلِماً وجْدي بها ومُهيبا

أَما وأَبي لولا طِلابَي للعُلَى

لَما كُنْتُ يوماً للفِراق طَلُوبا

ولكنَّه إِن كُنْتُ حزْت من الحَشَى

نصيباً فقد حازَتْ كذاك نَصِيبا

أَأَعْصِيك أَم أَعْصى العُلى وكِلاكما

له عقد قلبي مُوثراً وحَبيبا

على أَنَّها لي منك أَقدَمُ صحْبَةً

وأَقدمُ في ظَهْرِ الوِدادِ رُكوبا

سأطْلُبُها إِمّا بأَرضيَ قاطِناً

وإِمّا طريداً في البلاد غريبا

وأَرْقى إليها في سلاليمَ لم تكن

ليجعل ذابِلا وقَضِيبا

وأَصْدَعُ قَلْب الدَّهْر إِن أُعْطَ مُدَّةً

من الدهر صَدْعا لا يَلُمُّ رغِيبا

خَلِيلَيَّ إِنَّي رَهْنُ هَمٍّ وهِمَّة

بمائِهما سِيطَ الفؤادُ وشِيبا

دعاني فإِمّا أَنْ أُصابَ فراحَةٌ

وموتٌ وإِمّا أَنْ أَكون مُصِيبا

إلى كم تقاضاني العوالي دُيونَها

ويُكثِرْنَ في مَطْلي لهنّ عُتوبا

ويرجع ظَنُّ السيف فيَّ مخّيَّباً

ولم يَك ظَنٌّ كُنَّ بي لِيَخِيبا

أَيذهب عمري لم أَنَل فيه راحَةً

ولم أَستفد إِلا عَناً ولُغوبا

ولم أَجْلِبِ الخَيْلَ العِتاقَ حَوامِلا

شباباً يُرَوّونَ الرِّماحَ وشِيبا

ولم أَشْفِ من أَرض العدوّ بِغارَة

غليلا ولم أَجْرِ الدِّماءَ صَبيبا

ولم أَكس أَرجاءَ الفضاء جماجما

يضيق بها مبسوطةً وتريبا

ولم أَمْلَ ما بين العَقيِق وأَحْورَ

نوائبَ يبقى ذِكْرُها وخطوبا

ولولا رَجائي في اعتقاديَ لم يَكُنْ

تُلَيِّنُ من عَوْدي الأَكُفُّ نَصِيبا

وإِنِّي به يوماً من الدهر مُدْرِكٌ

نَوالا وأَرجو أَنْ يكون قَريبا

كما لم يَكُنْ سَهْمُ الذي أَنا طالِبٌ

به لَي إِلا في رِضاه مُصِيبا

لَحُطَّتْ سُروجي في ظهور ضَوامِرٍ

من الخيل يحسبن النَّجِيعَ ضَريبا

وشُدَّتْ لمصرٍ والعراق وغيرِها

رِكابي تُفَري أَمْعزاً وسُهوبا

فإِنْ أَلْفَ عند المسلمين إِجابةً

لصَوْتَي تجلو عن حَشايَ كُروبا

وإلا فبالروم انتصرتُ وبينهم

تنصّرتُ طَوْعاً واتَّخذتُ صلِيبا

لأَشعبَ طَوْعاً في فوادي طائراً

تَشَعَّبَ لو أَلْفي هناك شُعوبا

ولكنّ آمالي حَلَلْنَ بسوحة

مَحَلاًّ مَنِيعَ الجانِبَيْن مَهيبا

وقامَ لِسانُ الأَربعين بفَضْلِهِ

وما فيه من حُسْن الخِلالِ خَطِيبا

أَمالكنا إِنَّ القوافي سَوائِرٌ

بما اسْتُودِعَتْهُ جَيْئَةً وذُهوبا

فإِنَّ فِعالَ العالمين كواكبٌ

صُعوداً تُرَى في جَوِّها وصُبوبا

وإِنَّ المعالي جوهرٌ أَنت سِلْكُهُ

وَرِئْنَ حَصاها حاشِد وغَرِيبا