مَلِلتُ بدارِ الحِسِّ طولَ ثَوائي
143
مَلِلتُ بدارِ الحِسِّ طولَ ثَوائي
وسجني وتعذيبي بها وبَلائي
وجَمْعَ لطيفي بالكثيف ولَزَّهُ
إِليه لإِشقائي وطولِ عَنائي
وتدبيرَ أَفلاكٍ علىَّ مُحكَّمٌ
قضاهنَّ أَنْ أَحْكَمْنَ عَقْدَ قَضائي
وتغييرَ أَزمانٍ شِتاءٍ مُبَدَّلٍ
بصَيْفٍ وصيفٍ مُبْدَلٍ بشِتاءِ
وإِطباقَ أَطباق الطبائِع مِنْ هَوا
وأَرض ومن نار علىَّ وماءِ
ووقْتَيَّ من ليلٍ يجيءُ بظُلْمَةٍ
ويأْتي نهارٌ بعده بضِياءِ
وعَصرَيَّ عَصرَيْ شَيْبَةٍ وشَبيِبَةٍ
وحالَيَّ حالَيْ شِدَّةٍ ورَخاءِ
وداءَيْنِ قتَّالَيْن جوعاً وظَمأَةً
دَواؤُهما من مشرب وغِذاءِ
سَعَى لهما الساعي يُريد لجسمه
بَقاءً ولا يُحْظَى له ببَقاءِ
وعَدَّهما ذو الجهل بالأَمر لَذَّةً
متى الْتَذَّ ذو بأَخْذِ دَواءِ
أَفانِينُ شتَّى من عذاب قَضَتْ به
سوابِقُ زَلاَّتي وعُظْمُ خَطائي
قضيّةُ عدلٍ لا يجور بمثلها
على مثل ما قَدَّمْتُ كان جَزائي
أَلا ليس في لُبْس الجُسوم لُمحْوجٍ
إلى لُبْسها إِلا أَشقُّ شَقاء
وأَنكل تنكيلٍ وأَشنع نِقْمَةٍْ
يُعَذَّبُ في صُبْحٍ بها ومساءِ
وقد نَطَقَ الذِّكْرُ الحكيمً وأَنْبَأتْ
بذاك أَسانيدٌ عن الحكماءِ
فلا يَتَكَبَّرْ مُعْجِبٌ هي بِزَّةٌ
ويُلْقِ رِداءَ الفخر والخُيَلاءِ
ولا يَصْبُ مُغْتَرّاً إِليها ولو بَدَتْ
له في شبابٍ رائِقٍ وبَهاءِ
هل الجسم إِلا نطفةٌ في مَشِيمَةٍ
نَمَتْ بدَمِ الأَحشاءِ شَرَّ نَماءِ
وهل هو إِلا ظرفُ بَوْلٍ وغائِطٍ
وإِنْ يُطْلَ من طِيبٍ بكل طِلاء
كنيفٌ ولكنْ سُتِّرتْ جُدُراتُه
بِزَرّ قميص واشتمالِ رِداءِ
فبُعْداً لشيء هذه صفَةٌ له
وسُحْقاً ونأياً لا يُقاسِ بِناءِ
ويا حبّذا يوم التجرُّد خالِعاً
عن النفس من تلك الجسوم قَبائي
أَلا ليت شعري كيف من طبقاتها
خلاصي وقد أَعياو كيف نَجائي
فكم دعوةٍ لي وابتهالٍ بِنِيَّةٍ
صَفَتْ فَهْيَ تحكي في الصفاءِ صَفائي
عسى فُرْقَةٌ حانَتْ يُقرِّبُ وقْتُها
لمولايَ في دار المعاد لِقائي
تَضَرَّعْتُ في أَثنائها مُتَوَسِّلا
بصَفْوتِهِ الأَطهار عند دُعائي
وعَفِّرْتُ خَدّى بالتراب ولم يزل
نَحِيبي فيها عالِياً وبُكائي
ومالي سِوى فَوْز المعاد إِرادةٌ
وخَلْعي من الأَجسام كلَّ غِشاءِ
وفَكْيَ من أَغلال جسميَ شَهْوَةً
لَقيِتُ بها في الذِّلِّ كلَّ لِقاءِ
لعلى بدار القُدْس أَرْجعُ وغُنْيَةٍ
ومَحْضِ جلالٍ باهِرٍ وسَناءِ
حنَنْتُ إِلى تلك المقامات وَالْتَظَى
فُؤادي بِحَرِّ الشَّوْق والبُرَحاءِ
ومالي إِليها لا أَحِنُّ وإِنَّها
لَداري وفي ساحاتها قُرَنائي
تَغَرَّبْتُ والمرءُ المُفارِقُ دارَهُ
وأَهليه معدودٌ من الغُرَباءِ
فيا سفري هذا الطويل عسى الذي
قضى بك يقضي أَوْبَتي وأَدائي
ويا شَبَحي العَوّاقَ لي عن مآرِبي
عَدِمْتُك بِنْ ما أَنت من قُرَنائي
صَحِنْتُك إِذْ عَيْني عليها غِشاوةٌ
فلمّا انْجلَتْ فَرَّغْتُ عنك وِعائي
فهل لك في فَرْقٍ يُفَرِّقُ بَيْنَنا
فِراق تقالٍ قاطِعٍ وتَناءِ
ويلحقُ منَّا كلَّ جنْسٍ بجنسه
ومُشْبِهِه من تُرْبَةٍ وسَماءِ
وإِنِّي لأَرجو ذاك واللهُ قادِرٌ
بتبليغ آمالي ونَيْلِ رَجائي
وأَعلم علِمْاً ليس بالظنِّ ما الذي
إِليه معادي عند كَشْفِ غِطائي
وما أَنا لاقٍ من نعيمٍ متى أَرُمْ
له الوَصْفَ يُعْجِزْ فكرتي وذكائي
أَرَى الموتَ جَسْراً والأَحِبَّةُ خَلْفَهُ
وعابِره من أَسعد السُّعَداءِ
وقد كان رأيي أَن أَكون وَراءَهُ
فعُدْتُ ورأيي أَن يكون وَرائي
وهل يكرهُ الموتَ امرؤٌ مُتَعَلِّقٌ
بعُرْوَةِ إِخلاصٍ وحَبْل وَلاءِ
غدا راضِياً في كلّ أَمْرٍ مُسَلِّماً
لمولاه دِيناً ليس فيه يُرائي
مُعِداً وفاءَ الدين للموقف الذي
يُحاذرُهُ من لم يَفِدْ بوَفاءِ
مَحَضْتُ لإِخواني صريح نصيحة
تُعَرِّفهم أَنّي من النُّصُحاءِ
وأَوْدَعْتُها روحاً من القُدْس سارياً
إِلى كلِّ داءٍ منهم بثفاءِ
وذلك أَنّي قد بَلَوْتُ فلم أَجِدْ
مذاهبَ هذا الخَلْق غيرَ هَباءِ
سَراب كما قال الإِله بِقِيعةٍ
تَراءَى لقومٍ مُصْحِرين ظِماءِ
ولا شيءَ إِلا ما علقم بحَبْلِهِ
وعُرْوَتِهِ للعِتْرَةِ النُّجَباءِ
مدُوموا عليه من وَلاءٍ وطاعةٍ
ولَعْنٍ لمن عاداهمُ وبَراءِ
وصلّوا عليهم كلَّ حينٍ وسلِّموا
بأَفْئِدَةٍ بيِض الطُّروس نِقاءِ
ولا تَسْأَموا من ذِكْرهم كلَّ ساعةٍ
ووَقْتٍ بَمدْحٍ طَيِّب وثَناءِ
ولا تَدَعوا أَن تسجدوا عند ذكرهم
إِذا ذُكِروا في مَشْهَدٍ وخَلاءِ
ففي ذاك فَرْقٌ مائِزٌ بين ذِكْرِهم
وذِكْرِوا مناويَّهُم مِنْ الطَلقَاءِ
وأَقْصوا مُناوِيهم ولو كان والداً
أَوِ ابْناً وخُصّوه بكُلِّ جَفاءِ
ووالوا مُواليهم بكل محبّةٍ
ولو أَنَّه من أَبعد البُعَداءِ
وأَوْلُوهُ إِنْصافاً وبرّاً وتُحْفَةً
وبِشْراً وإِلْطافاً وحُسْنَ إِخاءِ
ولا تقبلوا ذُلاَّ عليه وهجْنَةً
وَقُوه من الأَسْواء أَيَّ وقاءِ
أَلا واغسلوا من كلِّ حِقْدٍ قلوبَكم
عليكم فَداءُ الحِقْدِ أَجْبَثُ داءِ
ولا تجعلوها للحقُود أَوانِياً
فإِنَّ إِناءَ الحِقْدِ شَرُّ إِناءِ
وإِيّاكمُ والكبِرَ والحَسَدَ اللَّذَيْ
نِ هَدَّا من الإيمان كل بناءِ
دعوه وسوءَ الخُلْق والعُجْبَ إِنَّها
خلائقُ أَعداءٍ لكم لُعَناءِ
ولا تدفعوا حقّاً لحَدٍّ فإِنَّه
عليكم لمولاكم من الرُّقَباءِ
هو الكاتِبُ المحصي عليكم فِعالَكم
وأَعمالكم من خالِصٍ ورياءِ
هو الشاهدُ العَدْلُ الذي ليس غائباً
ولا يُخْتَفَي من دونه بخَفاءِ
هو العالِمُ السر المُحِيطُ بكلّ من
غدا وَهْوَ دانٍ في المحل وناءِ
به الشرك لا بالغيب جَلَّ اخْتِراعُه
وإبداعُه من شِرْكَةِ الشُّرَكاءِ
فلا تستهينوا بالحدود وعَظِّموا
مقاماتِ تلك الصَّفْوَةِ العُظَماءِ
تَلَقَّوْا بحُسْنِ السَّمْعِ والطَّوْعِ أَمْرَهم
بما جاءَكم لو جاءكم بِفَناءِ
ولا تسألوا لِمْ ذاك وَارْضَوْا وسَلِّموا
بغير اعتراضٍ منكمُ ومِراء
فتلك صِفاتُ المؤمنين وسَمْتُهم
وسِيرتُهم نَقْلا عن العُلَماء
ورأيي لكم أَنْ لا تُخِلّوا بشَرْطِها
إِذا كنتمُ ممّن يُصَوِّبُ رائي
بَذَلْتُ لكم نُصْحَ الأَمين لأَنَّني
على كلّ خُلْصانٍ من النُّصُحاءِ
ولم أَطْوِ كَشْحاً دون ذاك ولا رأت
على سَتْرهِ نفسي التِحافَ كِساءِ
فمن شاءَ فَلْيأْخُذْ ومن شَاءَ فَلْيَدعْ
نصائح لم تُبْذَلْ لأَخْذِ كِفاءِ
ولا طَلَباً للشُّكْر من آخِذٍ بها
ولا الذِّكْر لي إِنِّي من الفُصَحاءِ
لَحَبْتُ بها المَطْموُسَ من سُبُل الهُدَى
لَحَيْرانَ في تِيهِ الضلالة ناءِ
وأَيْقَظْتُ من نَوْمِ الجهالة أَنْفُساً
إِن اسْتَيْقَظَتْ لي أَنفسُ الجُهَلاءِ
وذَكَّرْتُ من سَهْوِ الذُّهول مُغَفَّلا
عن النور وَهْوَ الواضِح المُتَرائي
عسى تَنْجَلي منهنَّ نفسٌ صدِيَّةٌ
بصقْلي وتهذيبي بها وَجِلائي
فيصبغ إِكْسيري مهيّأ ذاتها
صِباغاً به تُضْحِي من البُلَغاءِ
وتخلص من سجن الهيولي الذي غَدَتْ
بظلمائه في جملة السُّجَناءِ
لتكمل أَعضائي بها وبكلّ من
غدا وَهْيَ إِكْسيرٌ له بإِزائي
ولن يُدرك الحال الذي أَنا واصِفٌ
فَتىً ليس معدوداً من العُقَلاءِ
أُرِيدُ به عَقْلَ المعارِف لم أَرِدْ
به عَقْلَ طَبْعٍ ذا عَمىً وعَياءِ
شبيهاً بعَقْلٍ في البهائم هَمُّهُ
دِفاعُ مُضِرٍّ واجتِنابُ عَناءِ
وأَكْلٌ وشُرْبٌ لا يزال وفِكْرُهُ
به حائِرٌ في بُكْرَةٍ وعَشاءِ
ومَيْلٌ إِلى حُبِّ النكاح أَصَمَّهُ
فليس بمُصْغٍ سَمْعُهُ لِندائي
فمن كان مُهْتَزّاً لِما أَنا واصِفٌ
به فَلْيُلازِمْ سُنَّةَ الفُضَلاءِ
ولا يَعْتَقِدْ ما كان داعيه شَهْوَةً
له ما حِق منها كَمحْقِ رِباءِ
ثواباً له في هذه الدار كالذي
يقول به من هَزَّ غير لِوائي
ولا يَعْتَمِدْ خَرْقَ الشريعة تابعاً
بذلك أَضداداً من القُدَماءِ
أَرادوا به صَدَّ النفوس وصَرْفَها
عن الحقَّ من عُمْىٍ ومن ضُعَفاءِ
وسَمَّوْهُ دِيناً عندهم وادَّعَوا به
مقاماً وشدوّا أَيْدياً بهَواءٍ
وأَوَّلَ كلٌّ منهمُ بقِياسه
له من كتاب الله عِدَّةَ آئي
وقالوا كذا قَوْلُ الأَئمة وَاعْتَزَوْا
إليهمِ بمَكْرٍ منهمُ ودَهاءِ
لتَنْفِرَ عنهم أًنفسٌ سِمعَتْ بهم
وتُمْعِنَ في ذَمٍّ لهم وهجاءِ
وترْمِيهمُ بالمُنْكرات ولا يرى
لهم أَبَداً حقَّ الإِمامة رائي
أَلا كلّ من هذا السبيلُ سبيلُهُ
فإِنِّي له من أَبغض البُغَضاءِ
بَرِيءٌ إِلى مولايَ منه ولا عِنٌ
له كاشِف رأسي بغير حَياءِ
لقد قال إِفْكاً في الذي قال عنهمُ
وزُوراً مُبيحاً منهمُ لدِماءِ
وأَجْفَلَ عنهم ذا السواد الذي غدا
كمُهْمَل مَعْزٍ في الفلاة وشاءِ
به امْتَدَّتِ الأَيدي إِليهم وأَصبحتْ
رعاياهمُ في جملة النُّظراءِ
نَوافِرُ من راعٍ شفيقٍ يصونُها
فتُضْحى وتُمْسي في كَلا وكِلاءِ
ويوردُها العَذْبَ الفُراتَ وشربها
أَمينٌ ويَسقيها بحَوْضِ رواءِ
وما يَتَّقي بَطْشَ السباع رَعِيَّةٌ
تَشَيَّعُ من أَشياعه برعاءِ
وما ذاك إِلا زُبْد مَخْضِهم الذي
له مَخَصوافي الكفر شرَّ سِقاءِ
أَبالِيس من نَسْلِ ابن مُرَّةَ أَصْلُهم
تَسَمَّوْا لمن كادوه بالخُلَفاءِ
عليهم شِعارُ المؤمنين وسَمْتُهم
وسِيماءُ قومٍ جِلَّةٍ حُلَماءِ
أَولئك أَعداءُ الأَئمة فانظروا
مكائِدَ تلك العُصْبَةِ الخُبَثاءِ
أَضَلُّوا بما جاءُوا فَريِقَيْ غواية
وأَدلوهُم فيها بغير رِشاءِ
فريقاً نَحا ما قد نَحَوْهُ مُقَلداً
عُقولَ أولاك السادة الكُبرَاءِ
وَثَانٍ رمَاهُم والإِمَامُ الذي اعْتَزَوْا
إليه منَ الفَحْشا بكلّ خناءِ
وأَصبح من يدعو إليه لديهمُ
تَهيماً بهم من جملة التَّهَماءِ
تُبادِرُهُ الدَّهْماءُ في كل مَشْهَدٍ
وترميه من شَتْمٍ بكل بَذاءِ
حَلَفْتُ بمولايَ الذي كفروا به
وهم مُدَّعو نُصْحٍ له وصَفاءِ
لأَنَّهمُ بالقتل من كلّ حَيَّةٍ
أَحقُّ ولا كانوا من الشُّهَداءِ