فَما أُمُّ سَقبٍ أَودَعَتهُ قَرارَةً
407
فَما أُمُّ سَقبٍ أَودَعَتهُ قَرارَةً
مِنَ الأَرضِ وَاِنساحَت لِتَرعى وَتَهجِعا
لَحيسٌ كَمِثلِ الأَيهُقانِ اِبنُ لَيلَةٍ
أَمدُّ قُواهُ أَن يَنوءَ فَيَركَعا
وَيَهتَزُّ في المَشيِ القَريبِ كَأَنَّهُ
قَضيبٌ مِنَ البانِ اِرتَوى فَتَرَعرَعا
فَظَلَّت بِمُستَنِّ الصبا مِن أَمامِهِ
تَبَغَّمُ في المَرعى إِلَيهِ لِيَسمَعا
إِذا غَفَلَت نادَت وَإِن نابَ نَبأَةً
عَلى سَمعِها تَذكر طَلاها فَتَربَعا
فَخالَفَها عاري النَواهِقِ شاسِبٌ
أَخو قَفرَةٍ أَضحى وَأَمسى مُجَوَّعا
فَاِنهَل مِنهُ بعدَ عَلٍّ وَلَم يَدَع
لِمُلتَمِسٍ إِلّا وَشيقاً مُذَعذَعا
فَجاءَ بِرَيّاهُ نَسيمٌ مِنَ الصَبا
إِلَيها وَرُزءٌ جَرَّ ثَكلاً فَأَوجَعا
فَأَعجَلَها عَن حَملِها الوَجدُ فَاِرتَمَت
عَلى دَهسٍ لا تَأتَلي أَن تَشَنَّعا
مولّهَةً لَم يَترُكِ الوَجدُ عِندَها
بِواحِدِها إِلّا فُؤاداً مُرَوَّعا
فَطافَت بِمَلقاهُ وَمَصرَعِ جَنبِهِ
فَسافَت دَماً مِنهُ وَشِلواً مُقَطَّعا
لَحارَت وَبارَت وَاِستَطارَت وَرَجَّعَت
حَنيناً فَأَبكَت كُلَّ مَن كانَ موجَعا
وَنَدَّت عَلى وَحشِيِّها تَركَبُ الرُبى
وَتَنفي الحَصا أَخفافُها قَد تَصَدَّعا
فَلَأياً بِلَأيٍ ما ثَنَوها عَشِيَّةً
وَشَدّوا بِعَينَيها الحِبالَ لِتَربَعا
فَقامَت أَخير البَركِ يَدعو حَنينُها
حَنين المَواليهِ الثَكالى المُرَجَّعا
وَقُمنَ بِجَنبَيها فَأَسعَدنَ شَجوَها
كَما أَسعَدَ الحَيُّ المُصابَ المُفَجَّعا
فَإِن سَجَرَت وَهناً سَجَرنَ لِسَجرِها
وَإِن سَجعَت وَهناً تَجاوَبنَ سُجَّعا
فَحَنَّ نِساءُ الحَيِّ مِن بَعدِ هَجعَةٍ
لِصَوتٍ دَعا أَثكالَهُنَّ فَأَسمَعا
وَأَقبَلنَ مِن هُنا وَهُنا وَأَسفَرَت
سَتورُ الدُجى عَن مَأتَمٍ قَد تَجَمَّعا
فَما شقَّ ضَوءُ الفَجرِ حَتّى تَصَدَّعَت
جُيوبٌ وَحَتّى فاضَ دَمعٌ فَأَسرَعا
بِأَوجَعَ مِنّي يا سَعيدُ تَحَرُّقاً
عَلَيكَ وَلَكِن لَم أَجِد عَنكَ مَدفَعا
فَلَو أَنَّ شَيئاً في لِقائِكَ مُطمِعٌ
صَبَرتُ وَلَكِن لا أَرى فيهِ مَطمَعا
فَأُقسِمُ لا تَنفَكُّ نَفسي شَجِيَّةً
عَلَيكَ وَوَجهي حائِل اللَونِ أَسفَعا
وَقَد كُنتُ أَلحي مَن بَكى لِمُصيبَةٍ
فَها أَنَذا قَد صِرتُ أَبكي وَأجزَعا
وَقَد قَرَعَتني الحادِثاتُ وَرَيبُها
بِثَكلِكَ حَتّى لَم أَجِد فِيَّ مَقرَعا
وَقَد كُنتُ مَغبوطاً وَقَد كُنتُ مُصعباً
فَأَصبَحتُ مَرحوماً لِفَقدِكَ أَخضَعا
وَقَد كُنتَ لي أَنفاً حَميماً فَفاتَني
بِكَ القَدَرُ الجاري فَأَصبَحتُ أَجدَعا
فَلَو أَنَّ طَوداً مِن تُهامَةَ ضافَهُ
مِنَ الوَجدِ ما قَد ضافَني لَتَضَعضَعا
فَيا سَيِّداً قَد كَانَ لِلحَيِّ عصمَةً
وَيا جَبَلاً قَد كانَ لِلحَيِّ مَفزَعا
دَرَأتُ بِهِ جَبرَ الرَزايا وَلَم أَجِد
لَهُ خَلَفاً في الغابِرينِ فَأَقنَعا
وَأَبيَضُ وَضّاحُ الجَبينِ كَأَنَّهُ
سَنا قَمَرٍ أَوفى مَعَ العَشرِ أَربَعا
قَطيعُ لِسانِ الكَلبِ عَن نَبحِ ضَيفِهِ
مُوَطّأ أَكنافِ الرِواقِ سمَيدَعا
وَمُجتَنِباً لِلقَولِ في غَيرِ حينِهِ
حِفاظاً وَقَوّالاً إِذا قالَ مُصعِقا
يَصونُ بِبَذلِ المالِ نَفساً كَريمَةً
وَعِرضاً حِمىً مِن كُلِّ سوء مُمَنَّعا
فَتى الخَيرِ لَم يَهمُم بِغدرٍ وَلَم يُعَب
بِعجزٍ وَلَم يَمدُد إِلى الذَمِّ أَصبعا
وَلا كانَ في النادي فَيَهجُرُ قَومَهُ
بِأَملَأَ مِنهُ في العُيونِ وَأَروَعا
وَلا غابَ إِلّا نافَسَ القَومَ بَينَهُم
وَلا آبَ إِلّا كانَ لِلحَيِّ مُقنِعا
وَما زالَ حَمّالاً لِكُلِّ عَظيمَةٍ
إِلى أَن قَضى مِن نَحبِهِ مُذ تَرَعرَعا
فَتىً كانَ لا يَدعو إِلى الشَرِّ نَفسَهُ
فَإِن جاءَهُ الشَرُّ اِمتَطاهُ فَأَوضَعا
وَيَركَبُ صَعبَ الأَمرِ حَتّى يَرُدَّهُ
عَلى عَقِبٍ مِنهُ ذَلولاً مُوَقَّعا
وَأَمرٍ كَحَدِّ السَيفِ قَد خاضَ غَمرَهُ
بِهِمّاتِهِ كيما يَضُرَّ وَيَنفَعا
رَأَتهُ المَنايا خَيرَنا فَاِختَرَمنَهُ
وَكُنَّ بِتَعجيلِ الأَخاييرِ نُزَّعا
تَقنّصهُ مِن دونِ بَيضاءَ نَثلَةٍ
وَعَضبٍ إِذا ما صابَ لِلقَطعِ أَسرَعا
وَأَجرَد خوّارِ العِنانِ كَأَنَّه
عُقابٌ هَوَت مِن بَينِ نيقينَ أَتلَعا
أشقّ طَواهُ الرَكضُ في كُلِّ غارَةٍ
وَحَطمَ القَنا بِالنَحرِ حَتّى تَجَزَّعا
وَأَشرَسَ يَستَقري الكماةَ أَجابَهُ
فَبَوَّأَهُ في مُلتَقى الخَيلِ مَصرَعا
جَهيضاً يَذُبُّ الطَيرَ عَنهُ بِكَفِّهِ
فَيُحجمنَ عَنهُ ثُمَّ يَرجِعنَ شُرَّعا
فَمِن والِغٍ حَصداءَ جِلدَةَ ظَهرِهِ
وَمِن ناهِشٍ أَدفى الجَناحَينِ أَقرَعا
كَأَنَّ سَعيدَ الخَيرِ لَم يُهدِ غارَةً
كَرَحلِ الجَرادِ اِلتَفّ ثُمَّ تَرَفَّعا
وَلَم يُصبِحِ الخيلَ الحلولَ بِخَيلِهِ
فَيَترُكَ مِنهُم ساحَةَ الدارِ بِلقَعا
وَما ذرّ قَرنُ الشَمسِ حَتّى كَأَنَّها
تُرى بِرِجالِ الحَيِّ خُشباً مُصَرَّعا
وَإِن شِئتَ أَن تَلقى بِكُلِّ مَجازَةٍ
لَقيتَ لَهُ حرّىً وَسَخلاً مُوَصَّعا
وَإِن غَشِيَت حُزناً سَنابِكُ خَيلِهِ
تَضاءَلَ حَتّى يُصبِح الحُزنُ أَجرَعا
وَتَبعَثُ يَقظانَ التُرابِ جِيادُهُ
وَنائِمَهُ حَتّى يَهبَّ فَيَسطَعا
وَلَم يَسرِ بِالرَكبِ الخِفافِ لُحومُهُم
عَلى قُلَّصٍ تَثني قَوائِم ضُلَّعا
فَأظهرَ وَالحربا يَنوفُ بِعودِهِ
مولٍ فقاهُ الشَمسَ يَخدينَ رُفَّعا
لَها وَقعَةٌ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ
وَتَعليمَةٌ تَجني النجاءَ الهَملعا
وَتستودعُ المعزاءَ عِندَ اِنبَعاثِها
بَناتُ المَرايا وَالشَريح المُقَطَّعا
كَأَنَّ عَلى أَكوارِها حينَ تَنفَري
سَرابيلُهُم عَنهُم أَجادلَ وُقَّعا
تَرى كُلَّ دَهماء الحَواشي مكورةً
عَلى كُلِّ وَجهٍ مِنهُم وَأَخدعا
وَلَم يَهبِ الكومَ المَرايا وَعَبدها
كَأَنَّ بِها نَخلاً بِنَجرانَ يُنَّقا
مُضَمَّنَةً أَمثالُها في بُطونِها
مَكحَّلَةً قُبلَ المَرافِق مُزَّعا
تَرفُّ بِأَمثالِ المَجادِلِ لَم يَدَع
رَضيخَ النَوى وَالقضب فيهِنَّ مضبَعا
تَصَيَّفت اللُجون ثُمَّ تَخَيَّرَت
لَها مِن شَماريخ الفُلَيجَةِ مَربَعا
إِذا شَقشَقَت فيها حَسِبت هَديرَها
هَماهِمَ رَعدٍ آخِرَ اللَيلِ رُجَّعا
وَلَم يحرمِ البيض اللَواتي كَأَنَّها
نُجوم الثُرَيّا مَسقَطَ النَسرِ طُلَّعا
مجَلَّسَةً خَزّاً وَقَزّاً يَطَأنَهُ
بِأَقدامِها وَالسابِرِيَّ المُضَلَّعا
تَهزُّ إِذا تَمشي مُتوناً كَأَنَّما
تَهزَّ بِهِنَّ الريح عيدانَ نيّعا
كَأنَّ البُرى وَالعاجَ في قَصَباتِها
تَغمُرنَ ضالاً أَو تعمرنَ خروعا
تَرى الناسَ أَرسالاً إِلَيهِ كَأَنَّما
تَضَمَّنَ أَرزاقَ العفاةِ لَهُم مَعا
فَمِن صادِرٍ قَد آبَ بِالرَيِّ حامِد
وَمِن وارِدٍ شاحٍ بِفيهِ لِيَكرَعا
أَفاتَ بِإِبقاءٍ عَلى العِرضِ مالَهُ
فَأنجَح إِذ أَكدى البَخيل وَأَوضَعا
وَلا يَستَخِصُّ القَدرَ مِن دونِ جارِهِ
لِيُشبعَ وَالجيرانُ يُمسونَ جُوَّعا
جَوادٌ إِذا ما ألصقَ المَحلُ بِالثَرى
وَضاقَ لِئامُ الناسِ عَنهُ تَوَسَّعا
كَساهُ الحَياء الجودُ حَتّى لَوَ اِنَّهُ
يُجَرَّدُ مِن سِربالِهِ ما تَمَنَّعا
وَيُلقي رِداءَ العصبِ قَبلَ اِبتِذالِهِ
وَقَبلَ بلاهُ الحَضرَمِيَّ المُرَصَّعا
إِذا العرقُ المَرشوح بَلَّ رِداءَهُ
جَرى المِسك مِن أَردانِها فَتَضَوَّعا
فَيَوماً تَراهُ بِالعَبيرِ مُضَمَّخاً
وَيَوماً تَراهُ بِالدِماءِ مُلَمَّعا
وَيَوماً تَراهُ يَسحَبُ الوَشيَ غادِياً
وَيَوماً تَراهُ في الحَديدِ مُقَنَّعا
إِذا نالَ مِن أَقصى مَدى المَجدِ غايَةً
سَما طالِباً مِن تِلكَ أَسنى وَأَرفَعا
أَجَلَّ عَنِ العورِ الهَواجِرِ سَمعَهُ
وَوَقَّرَهُ مِن أَن يُقالَ فَيسمَعا
لَهُ راحَةٌ فيها حباً لِصَديقِهِ
وَأُخرى سَقَت أَعداءَهُ السُمّ مُنقَعا
فَما فجعُ الأَقوام مِن رُزء هالِكٍ
بِأَعظَمَ مِمّا قَد رزِئتُ وَأَفظَعا
وَمَن طابَ نَفساً مِن أَخٍ لوَداعِهِ
فَما طِبتُ نَفساً عَن أَخي يَومَ وَدَّعا
فَواعَجباً لِلأَرضِ كَيفَ تَأَلَّبَت
عَلَيهِ وَوارَت ذَلِكَ الفَضلَ أَجمَعا
وَيا بُؤسَ هَذا الدَهر مِن ذي تَلوُّنٍ
وَذي فَجَعاتٍ ما أَفَظَّ وَأَفظَعا
هُوَ المُتعِسُ النُعمان قَسراً وَقَبلَهُ
أَبا كَربٍ وَالأَيهَمَينِ وَتُبَّعا
وَزيد بنَ كَهلانٍ وَعَمرو بن عامِرٍ
وَحلوانَ أَردى عُنوَةً وَالهَمَيسَعا
فَمَن ذا الَّذي أَضحى يُؤمّلُ بَعدَهُم
فَلاحاً وَقَد كانوا أَعَزَّ وَأَمنَعا
وَما أَحَدٌ إِلّا لَهُ المَوتُ ناصِبٌ
بِمَوقِعَةٍ مِنهُ حَبائِل صُرَّعا
وَكُلُّ اِمرِئٍ مِنها بِمَنزِل قلعَةٍ
وَإِن وَلَدَ الأَولاد فيها وَجَمَّعا