لمـن الرُسـوم بـعــرصـة البَردان

152

لمـن الرُسـوم بـعــرصـة البَردان

أَقــوت غُــداةَ تَـرَحُّلــِ الأَظـعــانِ

هَـل دارُ علوةَ إِن سأَلتَ مُجـيـبَـةٌ

أَو هَـل يُـجـيـبـك غَيـرَ ذاتِ لِسانِ

دِمَن عَفَـيـنَ فَأَصـبَـحـت غُربـانـهـا

يـرديــن بَـيـنَ مَنـازِلِ الضِيـفـانِ

وَلَقَد يُقـيـم الضَيـف فيها مُكرماً

مـا شـاءَ بَـيــنَ غَـلائقِ وَجِـفــانِ

طرقـتـك علوة بِالعِـراق وَأَهلهـا

مـا بَـيــنَ تَـثــليــث إِلى نُجـرانِ

أَنّي اِهتَـدَت لك بَينَ شَعث قَد رَمَت

بِهِـم البـلاد نَـوائِب الحَـدَثــانِ

مــتـــوسِّديـــنَ ذِراع كــل مَــطـــيَّةٍ

عَـجــفــاء مـثـل حنـيَّةـِ الشُريـانِ

طـرقـت وَفي جَفـنـي وَجَفـن مُهَنَّدي

وَهـنــاً غِـراراً رقـدة وَيَـمــانــي

فـي بَـدَّن مِثـلَ البُدور لَتمِّمـهـا

يَـســلُبُــنــنــا بِنَـواظِـر الغُزلانِ

يَـنـضـاع مِنـهُـنَّ العَبـيـر كَأَنَّمـا

يَحـمِـلنَ فأر المِسـك في الأَردانِ

وَبَـسـمـنَ عَن بَردٍ هَمَـمـتُ بِرَشـفـه

لَولا الحَـيــاءُ وَخـشـيـة الرَحمَـنِ

يُرخِـصنَ في النَومِ الوِصال وَطالَما

أَغـلَيــنَ صَفـقـتـه عَلى اليَقـظـانِ

ثُمَّ اِنتَـبَهَـت وَما رَأَيتُ يَمـانِياً

إِلّا سُهَــيـــلاً دائِم الخَــفَـــقــانِ

فَـدَعَــوتُ أَصـحـابـي فَقـامَ أَخفَّهـم

نَـومــاً يَمـيـلُ تَمـايـل السَكـرانِ

ثُـمَّ اِسـتَــوَيـت عَلى غلالة بازِلٍ

طـاوٍ كَـقَــوسِ النـابِــلِ المرنـانِ

تَـكـبـو بِأَعـنـاق الرِكابِ وكلهـا

مـــلقٍ لِفَـــرطِ كَـــلالِهِ بِــجِـــرانِ

وَلَقَد شَجـاكَ الظاعِـنـونَ وَلَم تَزَل

يَـشــجــو فـؤادك باكِـر الإِظعـانِ

رَحَـلوا غـداة البَـيـنِ كل شِمـلَّةٍ

عَــيـــرانَـــةٍ وَشَــمـــردَلٍ عَــيــرانِ

رَعَت الحَمـيـم فآض فَوقَ ظُهورُهـا

مِـن نـيــهِــنَّ كـهــبّــة الرُكـبــانِ

عـاجــلنــنــا بـفــراقـهـنَّ فُجـاءَةَ

قَـبــلَ الصَبـاحِ وَناعـب الغُربـانِ

وَسفـحـن لِلبيـن المَدامِع فاِلتَقى

دُرّانِ درُّ مَــــدامِـــــعٍ وَجُــــمـــــانِ

الآن تَـســأل دارِهِـم عَـن أَهلِهـا

أَو هَـل تُـجـيـبـك غَيـرَ ذاتِ لِسانِ

لَم يَـبــقُ فيـهـا غيـر شُعـث جُثَّم

قَـد قُـلِّدَت قِـطــعــاً مِنَ الأَرسانِ

وَلَقَــد عَهَــدتُ بِهِـنَّ مـأوى خـائِف

وَأَمــان مَــحــروبٍ وَجَـنَّةــ جـانــي

يا عَلو إِن جار الزَمان بِحُـكمِهِ

فـيــنــا وَكل اثنـيـن يَفـتَـرِقـانِ

فاِسـتَـبـدِلي بي إِن رَغِبـتِ مشيّعاً

لَبِـقــاً بِـضَــربِ جَمـاجِـمِ الأَقرانِ

لا تَـجــعَــلي مـثـلاً كَراعـي ثُلَّة

يَـبــتــاع عَيـراً ناهِـقـاً بِحِـصـانِ

أَو كـامــرىءٍ يَومـاً أَراقَ سِقـاءَه

لِبَـــريـــق آلٍ كــاذِبِ اللَمَــعـــانِ

يَـلحــظــه مـاء ثـم يُـخــلِف ظَـنَّهُ

وَكَـذا السَـراب خَـديـعـة الظَمـآنِ

مـا كانَ ضَرَّك لَو مَنَـنـتِ بِمَـوعِـدٍ

وَشَـفـعـتِ هَذا الحُسـنَ بالإِحـسـانِ

وَكـتــمـت حُبَّكـ وَهوَ نارٌ مِثـلمـا

كـتــم الزِنـاد ثَواقِـبَ النِيـرانِ

إِنّـي إِذا نـبــذ المُـحِــبُّ عِنـانَهُ

بِيَـدِ الحَبـيـبِ قبـضـت ثني عِناني

تَـبّــاً لِقَـلبٍ لَيـسَ فـيــهِ مَـوضِــعٌ

إِلّا لِحُــــبِّ فُــــلانَـــــةٍ وَفُــــلانِ

وَإِذا الفَتـى أَلفَ الهَوان فَنَبِّني

ما الفَرقُ بَيـنَ الكَلبِ وَالإِنسانِ

مَوتُ الذَليل كَعَـيـشِهِ وَيَد الفَتى

شَــلّاء أَو مَــقـــطـــوعَـــة سِــيّــانِ

فَـلَئِن سَـلمــت لأَقضـيـنَّ لبانَـتـي

بــذمـــيـــل كــل شـمــلَّةٍ مِـذعــانِ

أَرمي الفِجـاجِ بِها لأَلقيَ رحلها

فـي حَيـث تُلقـى أَرحلُ الفِتـيـانِ

وَلَئِن سَـلِمــتُ وَسـاعـدتـنـي عنـسـل

وَجـنــاء قَد نَحـلت من السَريـانِ

لأصــادفـــنَّ العَـيــشَ بَـعــدَ رويَّةٍ

تَــحـــبــو وَمـســألة لِغَـيــر أَوانِ

عِـنــدَ الأَمـيـرِ غَريـب بن مُحَـمَّدٍ

مـلك المُـلوكِ وَفـارِسُ الفِـرســانِ

مَـلِكٌ يَـطــوفُ المعـتـفـون بِبـابِهِ

كَطـوافـهـم بِالبَـيـت ذي الأَركانِ

طــلق يَــلوح عَــلى أَسِــرَّةِ وَجـهِهِ

نـور الهُـدى وَسَكـيـنَـة الإِيمـانِ

وَيُبَـشِـر العافـيـن بشـر حَبـيـبـه

بِـالنُــجـح قَبـلَ تَصـافُـحٍ وَتَدانـي

يـنــبـيـك عنـه وَلَو تنـكَّر بشـره

مثـل الفرنـد بصـفـح كل يَمـاني

أَلقـى الإِلَه عَـلَيــه مِنـهُ مَحَـبَّةً

فَـتَــراهُ مَـحــبــوبــاً بِكُـلِّ جَنـانِ

مُـتَــواضِــعــاً لِلَّهِ جَـلَّ وَلَو يَـشــا

صَـقَــعَ المُـلوك لَهُ عَلى الأَذقانِ

ملك يهـيـن النَفسَ في يَوم الوغى

وَهوانـهـا في الحَربِ غَيـرَ هَوانِ

فَـيَــمــيــنـه لِلمشـرفـيَّةـِ وَالنَدى

وَجَـبــيــنــه لِلبـيــض وَالتُـيـجـانِ

ما إِن حَسِـبـتُ الخَيلَ تألَف ضَيغماً

حَـتّــى تَـبَــدّى فَـوقَ ظَهـرِ حِـصــانِ

وَإِذا اِنتَـضـى قَلَمـاً رأَيت بكتبه

نــار العــداة وَجَـنَّةــِ الأُخـوانِ

قَـلَمــاً إِذا كانَ الكَلامُ صَريـره

نـــابـــت نَــواطـــره عَــن الآذانِ

عَـجَــبــاً لَهُ إِذ يَـســتَــقــر بِكَـفِّهِ

وَبـحــارهــا تَـجــري بِـكُــلِّ بَنـانِ

سَهــمٌ إِذا مــا راشـه بِـبَــنــانِهِ

وَرَمـى أَصـابَ مُـقــاتِــل الأَقـرانِ

صِلٌّ بخـلقـتـه المَنـايـا وَالمُنـى

كـالسُّمـِّ وَالدَرياق في الثُعـبـانِ

أَعدتـه كفـكَ بِالبَـلاغَـةِ وَالنُهى

وَالجــودِ وَالآدابِ وَالتِــبـــيـــانِ

يُنـبـيـك عَمّـا في القُلوبِ كَأَنَّما

جُـعِــلَ المـداد سـواد كـل جِنـانِ

قَلَمـاً إِذا رَشَحـتـه كفَّكـَ كاتِـبـاً

أَزرى بِـمَــنــطِــقِهِ عَـلى سـحــبــان

بَـيــنـي وَبَيـنَـكَ لِلفخـار قَرابـة

في العِلمِ لا الأَباءِ وَالبُلدانِ

رُضَــعـــاء عــلم واحِــد وَرضـاعــة

الآداب قَـبــلَ رِضـاعَــة الأَلبـانِ

فاِمـنُـن بِمالِك أَو بِجاهِكَ أَو هُما

مــال الكَــريــمِ وَجـاهُهُ مِـثــلانِ

فالبَـدرُ يَحـمد في الضِياءِ وَإِنَّما

قـالوا تـكـسَّبـ مِن مُنـيـرٍ ثانـي

جُبِلَ الأَنامُ عَلى الخِلافِ وَلا أَرى

فـي جـودِهِ رَجُـلَيــنِ يَـخــتَــلِفــانِ

يَهــتَـــزُّ لِلمَـعــروف وَهـوَ سَـجــيَّة

لِلأَكــرَمـــيـــن كَهِــزَّة النَـشــوانِ

لِلَّهِ دَرُّ يَــد الخُــطـــوبِ فَــإِنَّهــا

صَـدأ اللِئامِ وَصَـيــقـل الفِتـيـانِ

جَـرَّدنَ مـنــك أَبـا سنـان صارِمـاً

فـــي كُـــلِّ نــاحـــيَـــةٍ لَهُ حــدانِ

كَـــاللَيــــثِ إِلّا أَنَّ جــارك آمــن

وَاللَيـثُ لَيـسَ بـآمــنِ الجـيــرانِ

فاِسـلم وَإِن رغِمَ الحَسـود مُخَلِداً

أَبَــداً لِيَــومـــي تــائِل وَطِـعــانِ

يـا رَب جَـيـش قَد كَفَـفـتِ بِمِـثـلِهِ

وَالخَيـل تعـثر في النَجيع الآني

بِـشَــوازِبٍ فـيــهِ كَـأَنَّ فـروجــهــا

أَبــواب خــاليَـــةٍ مــن السُـكّــانِ

وَمُـعــرِّضٍ دونَ الكَـتــيــبَـة نَفـسـه

لِلمَــوتِ بَــيــنَ مـثــقَّفــٍ وَسِـنــانِ

أَوجـرتـه نَجـلاء تَنـضـح بِالدمـا

نَضـحـاً كَجَـيـب الثاكِـلِ المَرِنـانِ

وَعِـصــابــة مال الكرى بِرؤوسِهِـم

مَـيــل الصَـبـا بِذَوائِبِ الأَغصـانِ

سَفـع الهَجـيـرُ جِبـاهَهـم وَخُدودهم

فَـكَــأَنَّمــا يَـطــليــن بِـالقُـطـرانِ

مِـن كُـلِّ أَشـعَــثٍ ضَمَّ في أَقطـارِهِ

لَيــل عَــلَيـــهِ بِــحــاصِــب شَـفّــانِ

يَعـوي لِتَنَـبـحـه الكِلاب كَما عَوى

ذيــب بِــأَعـــلى قُــلَّة الصَــمّـــانِ

نادتـه نارِك وَهيَ غَيـرَ فَصـيـحَـةٍ

وَهـنــاً بِـخَــفــق ذَوائِبِ النِيـرانِ

فَهَـوى بـصـحـبـتـه لَدَيكَ وَأَدرَكوا

مِـنـكَ المُنـى وَعَطـا يَديـكَ أَمانِ

وَغَدوا عَبـيـدك بِالجَـمـيـل وَإِنَّما

يُـســتــعـيـدُ الأَحرارُ بِالإِحـسـانِ

كَم معـشـر أَوليتـهـم فَمَـلكـتـهـم

نـعــمــاً بِها شادوا بِكُـلِّ مَكـانِ

شَكَـروا وَجَلّوا بِالثَـنـاءِ وَحَمَّلوا

فَـوقَ الَّذيـنَ مَـلكَــت بِـالأَيـمـانِ

أَنسَـيـتَـنـا كعب بِن مامَةَ وَالفَتى

مَـعَــن بـن زائِدَةٍ أَخـا شَـيــبــانِ

وَتركـت حاتِـم تابِـعـاً لك مثلما

تَـبــع الثُـريّــا كَـوكَـبَ الدَبرانِ

يَشـري الثَنـاءِ بِما غَلا وَلَو أَنَّهُ

فـي مَـنــزل مِـن دونِهِ القَـمَــرانِ

مـتــيــقــنــاً أَنَّ الثَـنــاءَ مخـلد

بــآقٍ وَأَنَّ المــال شَـيــءٌ فـانــي

أَو هَـل يبـاريـك السَحـاب وَجوده

مـاء وجـود يَـديــك بـالعِــقـبـانِ

بَل كَيـفَ تجـدب بلدة تَجـري بِها

وَيَــداكَ فــي أَرجـائِهــا بَـحــرانِ

وَالدَهـر عَـيــنٌ أَنتَ إِنسـانٌ لَها

لا خَـيــرَ فـي عَـيـنٍ بلا إِنسـانِ

ظَنّـي بِكَ الحُسـنـى فَإِن أَوليتها

فـليــشــكـرنَّكـَ ما بَقـيـت لِسانـي

معلومات عن الشاعر: التهامي

أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان