نَـبِــيٌّ مِـن الغِـرْبــانِ ليـس على شَرْعِ

162

نَـبِــيٌّ مِـن الغِـرْبــانِ ليـس على شَرْعِ

يُــخًـــبّـــرُنـــا أنّ الشُّعـوبَ إلى الصَّدْعِ

أُصَــدّقُهُ فــي مِــرْيَـــةٍ وقــد امْــتَــرَتْ

صَـحــابــةُ مـوسـى بعْـدَ آياتِه التّسْـعِ

كـأنّ بـفِــيــهِ كـاهِــنــاً أو مُـنــجِّمــاً

يُـحَــدّثُــنــا عمّـا لَقِيـنـا مِن الفَجْـع

ومـا كـان أفْـعَـى أهْلِ نَجْـرَان مثْـلَه

ولكـنّ للإنْـسِ الفـضِــيـلةَ في السمْـع

ومـا قـامَ فـي عُـلْيــا زُغـاوَة مُنْـذِرٌ

فـمــا بالُ سُحْـمٍ يَنْـتَـجـيـنَ إلى بُقْـع

تَـــلاقٍ تَـــفَــــرّى عـــن فِــراقٍ تَــذَمّهُ

مَـآق وتـكـسـيـرُ الصّحـائحِ في الجَمْـع

وشَـكْــلَيْــن مـا بَـيْـنَ الأثافـيّ واحِدٌ

وآخَـــرُ مُـــوفٍ مِـــن أراكٍ عــلى فَــرْع

أتـى وهْـوَ طَـيّــاُر الجنـاحِ وإنْ مشـى

أشاحَ بمـا أعْيـا سَطـيـحـاً من السّجْع

يُــجـــيـــبُ سَــمــاوِيّــاتِ لَوْنٍ كـأنّــمــا

شَـكِــرْنَ بـشَــوْقٍ أو سَـكِـرْنَ من البِتْـع

تَـرَى كـلَّ خَـطْــبــاءِ القَـمـيـصِ كأنّهـا

خَطـيـبٌ تنـمّـى في الغَضِـيـضِ من اليَنْع

إذا وَطِـئَتْ عـوداً بـرِجْــلٍ حـسِــبْــتَهــا

ثقـيـلةَ حِجْـلٍ تَلمِـسُ العودَ ذا الشِّرْع

مـتــى ذَنّ أنْـفُ البَـرْدِ سِرْتُـمْ فلَيْـتَهُ

عَقِـيـبَ التّنـائي كان عوقِـبَ بالجَـدْع

ومــا أوْرَقَــتْ أوْتــادُ دارِكَ بــاللِّوَى

ودارَةَ حـتــى أُسْـقِــيَــتْ سَـبَــلَ الدمْـع

ذكَرْتُ بهـا قِطْـعـاً مِن الليلِ وافيـاً

مَـضَــى كـمُـضِـيّ السّهمِ أقصَـرَ من قِطْـع

ومـا شَـبّ نـاراً فـي تِهـامــةَ سـامِــرٌ

يـدَ الدهـرِ إلاّ أبَّ قـلبُــكَ فـي سَـلْع

حكَـتْ وهْي تُجْـلى ناظـرَ السبُعِ اجْتلى

مـع الليلِ أكْلى والرّكابُ على سَبْـع

حَـمَــلْتُ لهـا قـلْبَ الجَـبــانِ ولم أزَلْ

شُـجـاعَ الهَوَى لولا رَحيـلُ بَنـي شَجْـع

وفـي الحَـيّ أعْـرابِـيّـةُ الأصْلِ مَحْـضَـةٌ

من القوْمِ أعرابـيّـةُ القوْلِ بالطّـبْع

وقـد دَرَسَـتْ نـحــوَ السُّرَى فـهْــي لَبّـةٌ

بمـا كان من جَرّ البَعـيـرِ أوِ الرَّفْع

ألِفْـتِ المَـلا حـتـى تعـلّمْـتِ بالفَـلا

رُنُوَّ الطَّلا أو صَنْـعَةَ الآلِ في الخَدْع

ومَـن يَـتَــرَقّــبْ صَـوْلَةَ الدهـرِ يَلْقَهـا

وَشيـكـاً وهل تُرْضـي الأساوِدُ بالوَكْع

إذا الضّـبُـعُ الشّهْبـاءُ حَلّتْ بسـاحـتـي

نَـضَــوْتُ عـليــهــا كـلّ مَـوّارَةِ الضّبْـع

وقـالَ الوليـد النّـبْـعُ ليس بمُـثْـمِـرٍ

وأخْـطـأ سِرْبُ الوَحْشِ مِن ثمَـرِ النّبْـع

أُوَدّعُـكُــمْ يـا أهـلَ بَـغــدادَ والحَشَـا

عـلى زَفَـراتٍ مـا يَـنِــيــنَ مِـن اللّذْع

وَدَاعَ ضَــنًـــى لم يَــســـتَــقِــلَّ وإنّـمــا

تـحــامَـلَ من بَعْـدِ العِثـارِ على ظَلْع

إذا أطّ نِــسْـــعٌ قـلتُ والدّوْمُ كـارِبــي

أجِــدّكـــمُ لم تـفْهَــمــوا طَـرَبَ النِّسـْع

فـبِـئْسَ البَديـلُ الشأمُ مِنـكـمْ وأهلُه

عـلى أنّهـمْ قـوْمــي وبَـيْــنَهُــمُ رَبْعـي

ألا زَوِّدُونـــي شَـــرْبَــــةً ولو أنّــنـــي

قَـدَرْتُ إذا أفـنَــيْــتُ دِجـلةَ بـالجَــرْع

وأنّـى لنـا مِـن مـاء دِجْـلَةَ نُـغْــبَــةٌ

على الخِمْـسِ من بُعْدِ المَفاوِزِ والرِّبع

وسـاحِــرَةِ الأطـرافِ يَـجْــنــي سَرَابُهـا

فَـتَــصْــلُبُ حِـرْبــاءً بَـرِيّــاً عـلى جِـذْع

وما الفُصَـحـاءُ الصِّيدُ والبَدْوُ دارُها

بـأفْــصَــحَ قـوْلاً مِـن إمـائِكُـمُ الوُكْع

أدَرْتُـمْ مَـقــالاً فـي الجِـدالِ بألسُـنٍ

خُـلِقْــنَ فـجــانَــبْــنَ المَـضَــرّةَ للنّفْـع

سـأُعْـرِضُ إنْ ناجَـيْـتُ من غيـرِكـم فتـىً

وأجـعَــلُ زوًّ ا مِن بَنـانـيَ في سَمْـعـي

غُـذيــتُ النّـعــامَ الرّوحَ دونَ مَزارِكُـمْ

وأسـهَــرَنــي زأرُ الضّـراغِــمَــةِ الفُـدْع

ومـا ذاد عـنّــي النّومَ خوفُ وُثوبِهـا

ولكـنّ جَـرْســاً حـالَ فـي أُذُنَـيْ سِـمْــع

وكم جُبْـتُ أرضاً ما انْتَـعَـلْتُ بمَرْوِها

وجـاوَزْتُ أُخـرَى ما شَددتُ لها شِسْـعـي

وبِـتُّ بـمُــسْــتَــنّ اليَـرابــيــعِ راقِـداً

يُـطَــوِّفْــنَ حوْلي مِن فُرادى ومن شَفْـع

أبَـيْــتُ فـلم أَطْـعَــمْ نَقـيـعَ فراقِـكـمْ

مُـطــاوَعَــةً حـتــى غُـلِبْــتُ على النَّشْع

فـنــادَيْــتُ عَـنْــســي من ديارِكُـم هَلا

وقـلتُ لسَـقْــبــي عـن حِـيــاضِــكُـمُ هِدْع

صَــحِـــبْــتُ إليـكــمْ كـلَّ أطـلَسَ شـاحــبٍ

يـنــوطُ إلى هـادِيــهِ أبْـيــضَ كالرَّجْـع

عـلَيْه لِبـاسُ الخُـلْدِ حُـسْــنــاً ونَضْـرَةً

ولم يُرْبَ إلاّ في الجَحـيـمِ من الصُّنْع

وأبْـرَزَهُ مِـن نـارِهِ القـيْــنُ أخْـضَــراً

كـأنْ غِـيـثَ فيـهـا بالتّـلَهّـبِ والسَّفع

ولولا الوَغَـى فـي الحـرْبِ أسمَـعَ رَبَّهُ

ألِيلَ المَنـايـا في المُثارِ من النَّقْع

ويــأبَـــى ذُبــابٌ أنْ يَــطُـــورَ ذُبــابَهُ

ولو ذابَ مِــن أرْجــائِهِ عَـمَــلُ الرُّصْـع

تَــــلَوَّنَ للأقْــــرانِ فـــي هَـــبَــــواتِه

تـلَوُّنَ غـولِ القَـفْــرِ للعاجِـزِ المِجْـع

تــقـــول بَــدا فــي سُـنْــدُسٍ أو مُـوَرَّدٍ

مـن اللِّبْـسِ أو عَصْـبٍ يَرُوقُـكَ أو نصْـع

يــدِرّ بــه خِـلْفُ المَـنــونِ دمَ الطُّلـى

ويَـكْــبُــرُ عـن فَـطْـرِ الوَلائِدِ والرَّضْع

فـيــا لكَ مِـنْ أمْـنٍ تَـقَــلّدَهُ الفـتــى

وبـاتَ بـه الأعـداءُ فـي خِـطّــةٍ بِـدْع

ولمّـا ضَـرَبْــنـا قَوْنَـسَ الليلِ من عَلٍ

تَـسَــرّى بـنَــضْــخِ الزّعْفَـرانِ أوِ الرَّدْع

كـأنّ الدّجـى نُـوقٌ عَـرِقْــنَ مِن الوَنَى

وأنْـجُــمُهــا فـيــهــا قـلائِدُ مِـن وَدْع

لبِــسْـــتُ حِـداداً بـعْــدكــمْ كـلَّ ليـلةٍ

من الدُّهْمِ لا الغُرّ الحِسانِ ولا الدُّرْع

أظُـــنّ الليــالي وهْــيَ خُــونٌ غَــوَادِرٌ

بِــرَدّي إلى بَــغـــدادَ ضَــيّــقَــةَ الذَّرْع

وكـان اخـتِــيــاري أنْ أمـوتَ لَدَيْـكُــمُ

حَـمـيـداً فمـا ألْفَيْـتُ ذلكَ في الوُسْع

فـليْــتَ حِـمــامــي حُمّ لي في بلادِكُـمْ

وجـالَتْ رِمـامــي في رِياحِـكـمُ المِسْـع

ولَيْـتَ قِـلاصــاً مِـلْعِــراقِ خَـلَعْــنَــنــي

جُـعِــلْنَ ولم يَـفْــعَــلْنَ ذاكَ من الخَلْع

فـدُونــكُــمُ خَـفْــضَ الحـيــاةِ فـإنّــنــا

نصَـبْـنـا المَطايا بالفَلاةِ على القَطْع

تـعَــجّــلْتُ إنْ لم أثْـنِ جُهْـدي عـليـكُـمُ

سَـحــابَ الرّزايـا وهي صائِبَـةُ الوَقْع

معلومات عن الشاعر: أَبو العَلاء المَعَرِي

وقال يودع بغداد . المصدر : ديوان أبي العلاء المعري المشهور بسقط الزند. وقف على طبعه جناب العالم الاديب والشاعر البليغ المعلم شاكر شقير البستاني