قصة مهدي
والقفز فوق العوائق
كاتبها: مهدي عبد الرحمن آل مطلق
عندما تكتب أو تتحدث عن ألمك فهذا لن يكون أشد إيلاما من الألم نفسه وقت حدوثه بل ربما تستلذ بلحظات التذكر لتجاوزك المحنة بكل صبر واقتدار، إلا أن المعضلة والهوة الكبرى والتي يصعب المرور فوقها دون ضرر لك أو عليك عندما تتحدث عن ألم الغير وأنت تدرك بأنك مهما بلغت من حالات التقمص لن تبلع مثقال عشر مما ألم به.
قصة مهدي الغير محكية أو مكتوبة نعتقد بأننا نعرفها، رجل مقعد على كرسي متحرك نراه بين الفينة والأخرى على جنبات الطريق أو في مناسبة ما، وهو مشهد ليس مألوفاً لنا ولكننا ألفناه ولا نفعل شيئاً في الغالب سوى ترديد قولة “الي بلاه يعافينا”، نحن لا نتحاشى القرب من المتألمين ومن ذوي المحن والمآسي خشية أن يطلبوا منا طلباً نعجز عن تلبيته أو ربما يخبروننا بألم لن نقدر على نسيانه ربما نتحاشى العدوى، ربما هي سوء حظنا في الحياة أن نتعلم من أحدى آيات الله.
الحياة لا ترحم أحداً ويواسينا فيها بأنها ليست دار ثواب لأولياء الله وليست دار عقاب لأعدائه هي مرحلة للامتحان ولتعرف الأنفس حقائق أمرها، الله أعرف بنا من أنفسنا ولكن لكي تقام علينا الحجة لا بد أن نقف أمام كل شيء وبعدها وبناء على جوهر النفس تنحرف يمينا أو شمالاً أو بأن تنتهج الجادة والمحجة البيضاء، ربما كل نفس يجب أن تمر على كل شيء وبذات الامتحان وبناء على فعلها تكون مرتبتها، هذه الحياة الدنيا البسيطة والتي تأتي في غمضة عين وتذهب في أقل منها يحسبها الغفلة والجهلة كل شيء ويكرسون لها كل شيء في حياتهم وهي في الأصل لا شيء، مليارات من السنين وأمد مديد من الزمن ثمرتها إنسان بشري عاقل تذهب به نزواته وغروره إلى أسفل السافلين والسبب بأنه نظر إلى إنسان مبتلى من خلقه وقال لو لم أكن أفضل منه لما كان كما هو وكنت كما أنا، نفس منهج قياس إبليس.
ربما تمر بظرف ربما تتوجع ربما تموت، ولكن أن يفسر أحد بشيء من الشماتة عليك أو كنوع من العقاب الإلهي أو بأنك شخص أنحرفت عن الجادة وادمنت المخدرات لهو نوع من التصرف البشري الحقير والذي يجيده من لا يقدر على شيء إلا في تصيد الأخطاء وتتبع الناجحين من الخلف.
كنت قد مررت بالمر وكنت أحسب أنني الوحيد الذي تجرع كأس المرارة من اتهامات الغير ومن تكالب الزمان وظروف الزمن عليك ليجعل منك أداة للتشفي من المرضى في النفوس والمتعافين في الأجساد، ولكنني استشفيت من قصة مهدي الكثير من المواساة، يعجز اللسان عن وصف حالات الشخص المتعافي في جسده كالثور والمالك للمال والجاه وأدوات الحياة المترفة ولكنه يتخلى عن كل هذا ويصب كافة اهتمامه على شخص يكاد يموت من القهر أو المرض أو الفقر، يدقق في تفاصيله ونواياه، يتساءل بالصوت الجهوري كصوت … فلان يأكل شيئاً يستخدم، فلان ما نشوفه، فلان يقولون ولا أدري عن صدق قولهم بأنه طاح في المخدرات والحشيش، يجد من شد من أرزه ويقويه من سذج البشر ورعاعها وينقل بذور كلامه الشيطان كالريح العاصف لنشرها في كل قلب محب للقيل والقال.
مهدي قصته قصة،
مهدي أحد آيات الله المخفية رغم أنها بين أعين الناس،
أصيب بالمرض الغامض فصبر وتهموه فصمد وأهملوه فتجاوز وكافح وعاش ونجح وتزوج وأنجب فكتب “قصة مهدي والقفز فوق العوائق”
أولئك الذين اتهموا مهدي ما رأيهم بعد أن أصيب شقيق مهدي بذات المرض، كيف وجدوا أنفسهم بعد أن أصيبت أيضا شقيقته،
كيف وجدوا حالهم بعد أن كان مهدي يتجرع كأس الموت والغبن لحظة بلحظة حزنا وكمدا على شقيقه،
كيف وجدوا أنفسهم وهم الذين من الله عليهم بالعافية والسلامة والمال في أهاليهم وأولادهم.
عندما كتب مهدي لم أكن أتصور بأنه يمتلك موهبة النفس الطويل والسرد الانسيابي والكلمة السهلة والممتنعة، لقد كنت سأقرأ وسأتابع ولكنني لم أكن مدركاً لأنني سأتورط عاطفي في قضية مهدي مع الحياة واطلاعي على ما خفي رغم زعمي بأنني أعرف عن مهجي.
كيف كان ذلك الطفل الشقي والباحث عن الذات بين جبال وادي سرو، وراعي الأغنام شخص رياضي وقوي البنية في شبابه صاحب المشاكسات الشبابية والموظف العسكري المتميز بأن يكون مقعد على كرسي متحرك لا يقدر على حمل هاتف ولا يستطيع مد يده على أطفاله ولا حملهم، لا يستطيع رفع قدم على أخرى، لا يستطع على تحريك شيء فيزيائي ولكنه قدر على تحريك ما هو أقوى من الفيزياء، لقد حرك الفكر والقلب والعقل، لقد حرك المشاعر، لقد أوشك أن يحرك أشد من الجبال في نفوس من كانوا عظماء في الداخل بسطاء في الخارج.
سأكتب عن مهدي ما استطعت حتى يكل قلمي ويبرد ألمي ولكن هل هذا شيء ممكن.
ابن عايض صالح