“أحببت حب الخير”
ذلك هو كل ما يجول في فكري عندما أقرأ نجران في أشعار مهذل،
أحب نجران ولكن مهذل يجعلني أحبها بطريقة أخرى.
يروي نقاء الروح وسمو النفس مرة بذاته ومرة بأشعاره، يتجلى بتمازج عجيب بين الموضوع والذات بين الظاهر والباطن بين الشاعر والقصيدة في صورة جمالية صوفية متأله للسماء وترى فيها كل جمال روحك السرمدي.
أسمى من اللحن وأسمى من العزف ومن الغناء والرقص، هو يروي قصة خالدة نتذكرها معه ولكننا ننساه إذا ذهبنا عنه.
انكفاءه على ذاته وتحفظ على الظهور جعل من ذاته حوت الشعر يقذف بعنبره في أقاصي بحار الأرض لينقلها السعاة وعشاق الجمال إلى كل أذن وأمام كل عين.
ليست بغريبة عليه الفروسية ولا البلاغة ولا النبل، هو حفيد أحد أبرز فرسان الجزيرة العربية بنيان ابن مهذل الصقور اليامي وسليل أحد أعرق القبائل وأفصحها لسانا وأبعدها في التاريخ، قبيلة الصقور هم أبناء صقر بن غوى بن عامر بن ذهل بن سلمه بن دؤل بن جشم بن يام الهمداني.
يتجرد في كل قصائده من ثياب الفردية ليأتي بجسد الكل في المعنى والجزالة، شاعر غير مقروء وغير مفهوم، ولكن الأكيد بأنه محبوب ولا سبيل لمن يستمع إليه إلا أن يحبه، كأنه يتحدث عن كل ذات، تعرضت لتقلبات الدنيا وتطرقته بسوادها وظلمتها وظلمها.
في أمسية وحيدة وبصورة وحيدة أصبح حديث الشعر والشعراء وكان له هذا الحديث:
إذا كانت الجزيرة العربية منبع الشعر العربي الفصيح القديم، قدم التاريخ نفسه، فأنه من المؤسف أن يصبح أبناء هذه الجزيرة العربية بمنأى عن ريادة الشعر العربي الذي أصبح رواده من غيرهم.
لقد سيطرت اللهجة العامية على مجتمعنا من أقصاه إلى أقصاه.
وقد يقول قائل إن لهجتنا هي الأقرب للهجة الأم
لا نستطيع أن إنكار بأنا نوجد في آخر ركب الأدب منذ مئات السنين
الشعر العامي عظيم وله عراقته وأناقته ولكن ينبغي أن لا نغفل الشعر العربي الأصيل
الشعر العربي بوابتنا للعالم العربي والعالم والتاريخ
أنا هنا أحاول أن ألقي بين أيديكم شعرا فصيح وعامي جرأة مني على القول أن الشعر إذا نفخت الموهبة فيه روح الإبداع أسر القلوب بشقيه الفصيح والعامي
الشعر روح خالدة تسكن كل ما هو مقدس وجميل في هذا الوجود، وفي تعريفه للقصيدة يقول شعراً:
إن القصيدة لا تكون قصيدةً
إلا إذا كتبت بدون تكلفِ
لابد أن تأتي بتلقائيةً
أن لا نقول لها استمري أو قفي
هي نفسها مسئولة عن نفسها
بل إن شرط وجودها أن نختفي
تأتيك رابعة النهارِ قصيدتي
وأنا الظلام فهل أجيء لتنطفي
أ قصيدتي إني هربت لأنني
أخشى عليك تجبري وتطرفي
أني هربت لكي تكوني حرة
لا بد أن تتحرري من معطفي
أصبحت سيدة الجميع ومن يكن
في مستواك به الجميع سيحتفي
فإذا جماهير لديك تزاحمت
فعليّ من بين الجماهير تعرفي
…
في ذات الأمسية قال قصيدته الخالدة:
أتظن أنك عندما أحرقتني
ورقصت كالشيطان فوق رفاتي
وتركتني للذاريات تذرني
كحلاً لعين الشمس في الفلوات
أتظن أنك قد طمست هويتي!
ومحوت تاريخي ومعتقداتي؟
عبثا تحاول.. لا فناء لثائرٍ
أنا كالقيامه ذات يوم آت
وأصبحت رائدة في مجال الشعر وأعاد للشعراء روح الأمل في الإبداع، لقد كان على ثقة وإدراك بذاته وما يحمل من رسالة.
كل ما يقول عجيب شعرا ونثرا، ومنا أعجبها:
تعلق في غيبوبة الشمس وارتمى
ليسبـق نحو الــقدس ليـــلاً وأنجمــــا
وأعجله شــوق إلى مـــن يحبـــه
كنورسة للغيـــــم أعجلهــــا الظمأ
وأسبغ من دمع البتول وضوؤه
ومـــــن جبــــل الزيتون لله أحرمـــا
وفي الحرم القدسيّ أجهش بالبكـاء
وعانق يحيى والمسيــح ابن مريما
كقنديل زيت في دخان مــــقدسٍ
بـــدا لهــــما لمــــا بــــــــدا فتبسمــــا
وقالا له ممن؟ فعـرف وأنتمـــــا
فقــالا : من الأخــدود ؟ قال ومنكـما
فقالا : إلى ما صار نجران بعدنا؟
فقــال إلى ديــــــن الخلــــيل أبيكمـــا
إلى ملة الإسلام …. قالا بلهفـــةً
صـــدقت خليل الله قد كــان مسلمـــا
فطوبى لنجران وطوبى لأهلهـــا
مصابيح دين الله في الأرض والسماء
كتبت عنه عام 2013 … عندما أريد الحديث عن نجران فلا بد من أن أستأذن مثقفها الأول، وابنها البار ورمزها المتجسد في شخصه مهذل الصقور وأقول بيض الله وجهك على ما تقدمه والذي حسب ما أرى وحسب رأيي بأنه يرجح كل ما قد قيل في نجران ماضي وحاضر ومستقبل، وشخص مثلك لا يحتاج لأن يقدم اسمه ألقاب، اسمك مهذل الصقور تاريخي، فحبي لك نابع من حبك لنجران. فمولاي نجران وهذه القصيدة التي أرفقت بعض من أبياتها أدخلت جيلنا المعاصر التاريخ، والقادم إن شاء الله أعظم وأنظم.
أحد زوامل مهذل:
ㅤ مولاي نجران لا نامت عيون الجبان
قم وض من دمع عيني واغتسل من دمي
ㅤㅤ مولاي نجران كيف ارضى عليك الهوان
يعورني العار ويشره علي محزمي
…
تغنيه بنجران في هذه الرائعة لم يسبقه أحد ولن يجاريه أحد:
من موطني عانقت فجر النبوة
وبيدي غرفت النور من جال واديه
عل أسفله سيل حدر من علوه
كأن السماء ونجومها تغتسل فيه
حبه مثل سيله جرفني بقوة
ويلي عليه أول زماني وتاليه
خطمت بأشواقي مراويح نوه
وإن شحّت بماها بعيوني أسقيه
لا وأدفنوني في بطاحين جوه
خلوني أطلع سدرة في روابيه
لو رحت للفردوس عودت توه
أنه بيدعيني وبأقول لبيــــه
أطلال شعبٍ أحترق ما تأوه
ولا كفر بالحب فرضه مصليه
شيب الوقار وعنفوان الفتوة
ديباجة أيامه ونكهة لياليه
جبريل من ذا الوادي أسبغ وضوه
وصلى على الجابح ونفض جناحيه
وجدي شعق في وادي العرض ضوه
وموسى خلع في وادي العرض نعليه
هبايبه بأحلى القصايد تدوه
ما تسكر الدنيا سوى من قوافيه
الله على عدوانه يصب سوه
وادي غويج الله يعادي معاديه
واللي يبا أمه فوق قبره تنوه
يصابح المهيوب ولا يماسيه
نجران ما ينكف بنصرٍ عدوه
يعوي مراح ما تسكت قوافيه
أبي وتأخذني عليه الحموه
ولا بتكسر عظم ساقي المشاريه
دن القلم مني حياتي دنوه
كفي تنومس به وقلبي يناجيه
يقسى الدهر ويزيد حرفي قسوه
لين أقلب التاريخ عاليه واطيه
كل يا دهر وما ردت سوه
نجران يبقى حاضر الله وماضيه
هنا المسيح لقي حنان الأبوة
ومريم على القمراء تقصص لأثاريه
أشعلت له في الرأس ذبلت مروه
وحلفني أني ما أخذ الهينة فيه
أمسية مهذل الصقور في ملتقى نجران الثقافي
ملحمة نجران موسوعة الشعر والشعراء